كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة العشرون في النبوءة

صفحة 244 - الجزء 1

  منهم قتلاً وأسْراً، فلو قَدَرُوا على المعارضة لم يعدلوا عنها لسهولتها، وعلمهم أنّ أمر النبيء ÷ يبطل بها. (فَلَمَّا عَدَلُوا إلى الْمُحَارَبَةِ الشَّاقَّةِ الصَّعْبَةِ) وتحمّلوا خُطُوبَها وأخطارها، وتلك المحاربة من الأُمور التي لا تدلّ على صحّة صحيحٍ ولا بُطلان باطلٍ (دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَجْزِهِمْ عَنْ مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ) لعلمنا أنّ العاقل لا يعدل إلى الأمر الشّاق الذي فيه هلاك نفسه وذهاب أمواله وأولاده مع القدرة على تحصيل غرضه بالأمر الذي لا مشقّة فيه، ولا خطر معه (فَثَبَتَ) بتقرير هذه الأُصول (أنَّهُ) أي: القرآنُ (مُعْجِزٌ دَالٌّ عَلَى نُبُوءةِ مُحَمَّدٍ ÷) وَصِدْقِهِ.

  وأمّا إحتجاجُ اليهود بقول موسى صلى الله عليه: (تمسّكوا بالسبت أبداً، وشريعتي لا تنسخ أبداً) فذلك مما لا يلتفت إِليه ولا يُعوّلُ عليه، لأنّ الأدلّة القطعية قد انتهضت على صحة نبوءة نبيئنا ÷ وصدقه فيما جاءَ به. ومن جملة ما جاءَ به إبطال التّمسك بالسبت. والخبر المرويّ عن موسى يُقطع بكذبه لأنه أحاديٌّ، والأحاديُّ لا يُقاوم القطعي بل يبطل. سلّمنا فمعناه: ما لم يأتكم نبيءٌ مُصَدَّقٌ بالمعجز. وذِكْر التّأبيدُ مجاز يجب حملُهُ على غير الدَّوام للدّلالة الموجبة لذلك ولهذا قال تعالى {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا}⁣[البقرة: ٩٥] ثم أخبر أنهم يتمنّونه.

  وممّا يُؤَيِّد ما ذهبنا إليه: البشارات الواردة بِمُحَمَّدٍ ÷ في التوراة فإنّ يعقوب # قال: (لا يزول المُلك من يهوذا، والوحيُ من بين رحيلة حتى يأتي الذي له الملك، وإيّاه تنتظر الأُمَمُ، مُحمرَّةٌ عيناهُ كشارب الخمر، بِيضٌ أسنانُهُ كشارب اللّبن) وقد رُوي أنّ بُحَيْرَا تأمل