المسألة العشرون في النبوءة
  وثانيها: أنّ الموازنة تقع بين الطاعة والمعصية، فإذا سقط أحدهما بالآخر سقط جميع ما يستحق عليه جملةً واحدةً، فلا يصح أن يُوازَنَ به بعد سقوطه؛ وهذا الوجه مبنيٌّ على أنّ الموازنة في الأفعال. والبهشميةُ وموافقوهم يخالفون في هذا الأصل، ويقولون: الموازنة بين الثواب والعقاب.
  وثالثها: حجة السمع وهو قوله تعالى: {وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَنثُورًا}[الفرقان: ٢٣] ولا يكون هباءً منثوراً إلّا إذا سقط بجملته، ولم يُسقط عنهم شيئاً من العقاب، ومثله قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم}[محمد: ٣٣] وقوله تعالى: {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}[الحجرات: ٠٢] وقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر: ٦٥] فهذه الآيات تدلّ على أنّ الثواب يذهب - في جنب العقاب الذي هو أكثر منه - نِسْياً مَنْسِيّاً غير مُسقط شيئاً من أجزاء العقاب.
  قلت: وفي كلام الأساس لإمام زماننا أيده الله تعالى ما يدلُّ على إنحباط الطاعة بفعل المعصية قَلَّتِ الأجزاءُ أو كَثُرَتْ؛ وحكاه أيَّدهُ الله تعالى عن أبي علي والأخشيدية. ولمّا احتج المخالف بقوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}[الزلزلة: ٠٧] وقوله تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}[الكهف: ٣٠] رُدّ عليه بأنّ ذلك عامٌّ، مخصوصٌ بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ}[المائدة: ٢٧] فلو كانت مسقطةً