المسألة العشرون في النبوءة
  العقاب على تلك المعصية، وعند بطلانها بالتوبة زال المانع من إستحقاق الثواب إذ الطاعة باقية لم يطرأ عليها ما تصير به كالمعدومة، فيعود إستحقاق الثواب في المستقبل وهو أيضاً اللَّائقُ بالعدل والحكمة وإلّا لزم التساوي بين من قطع عمره في طاعة الله سبحانه وعبادته - ثم فعل كبيرةً وتاب عنها قبل موته - وبين من قطع عمره في عصيان الله تعالى والكفر به ثم تاب قبل موته، والفرق بينهما مما لا شك فيه.
  فإن قيل: فيلزم في من تاب من معصيةٍ ثم عاد إليها أن يتجدّد له إستحقاق عقاب الأُولى لمثل ما ذكرتم هنا؟
  قلنا: قد قال بذلك بشر بن المعتمر وطرد قاعدته المتقدِّمة من الإطلاق. ونحن نقول بينهما فرقٌ جليٌّ، فإن الطاعات المتقدِّمة في هذه المسألة باقية في نفسها إذ سقوط ثوابها في الزمان الماضي إلى وقت التوبة بالموازنة بينه وبين عقاب المعصية، لا بمصيرها كالمعدومة، إذ الموازنة بين الثواب والعقاب فقط كما هو قول أبي هاشم، لا بين الطاعة والمعصية كما هو قول أبي علي. فالطاعةُ غيرُ ساقطةٍ بل إنّما منع من إستحقاق ثوابها مانعٌ وقد زال، بخلاف سقوط المعصية بالتوبة في هذه المسألة، فليس بالموازنة على الصحيح، بل التوبة صيّرت تلك المعصية كالمعدومة لأنها تَحُتُّها حتّاً فبطلت المعصية في الحال والمآل، وهكذا القول في من فعل معصيةً [ولم يتب] ثم فعل طاعةً كفّرت عقاب تلك المعصية، ثم ندم على تلك الطاعة على وجهٍ يُوجب سقوطها؛ فعلى قول ابن الملاحمي، والإمام المهدي [#] يتجدّد له إستحقاق العقاب على تلك المعصية في المستقبل لأنّ سقوطها إنّما كان بموازنة تلك الطاعة فلم تصر بذلك