المسألة الثالثة والعشرون في عقاب الفاسقين
  من تردّد في دخولهم النار وقطع على خروجهم إن دخلوا. ومنهم من قطع بدخولهم وتردَّد في خروجهم. والذي عليه المرجئة الخُلّص تجويز الدخول وعدمه، وتجويز الخروج بعد الدخول وعدمه، وهذا هو مذهب أبي القاسم البستي وكان من أصحاب المؤيد بالله، وهذا هو الإرجاءُ الحقيقي، لأنّ الإرجاء هو التّردُّدُ في الأمر، وهؤلاءِ مُتردِّدون، ومذهبهم - أعني المرجئة - حادثٌ بعد وفاة أمير المؤمنين #. بخلاف الخوارج فمذهبهم حادثٌ في أيّامه.
  (وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ) المذهب الصحيح وهو قول جمهور العدلية: قوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا}[الجن: ٢٣] فتوعّد اللهُ تعالى كل عاصٍ على سبيل العموم بالخلود في النار (وَالْخُلُودُ: هُوَ الدَّوَامُ) بدليل قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ}[الأنبياء: ٣٤] فنفى تعالى في هذه الآية أن يكون لأحدٍ من البشر خلودٌ في هذه الدُّنيا. ومعلوم أنه لم ينف بذلك البقاءَ المنقطعَ، لأنّ كل واحدٍ منهم قد بقيَ بقاءً منقطعاً. ولا يَرِدُ ما يقال: خلّد السُّلطانُ فلاناً في السجن، والمراد البقاءُ المنقطع لأنّا نقول: حقيقة الخُلُود: هو الدَّوامُ، فإِن استُعمل في غيره فعلى سبيل المجاز فيكون في ذلك مجازاً. وقوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفي نَعِيمٍ ١٣ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ١٤ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ١٥ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ ١٦}[الإنفطار] فحكم تعالى بعدم غيبوبة الفُجّار عن النار، والفُجّار يطلق على الكفّار والفسّاق (وَهَاتَانِ الآيَتَانِ) عَامّتَانِ كما ذكرنا، وإذا ثبت ذلك علمنا أنّهما (يَدُلَّانِ عَلَى دُخُولِ كُلِّ عاصٍ النَّارَ