كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثالثة والعشرون في عقاب الفاسقين

صفحة 263 - الجزء 1

  وَعَلَى دُخُولِ كُلِّ فَاسِقٍ وفَاجِرٍ النَّارَ وَخُلُودِهِمْ فِيهَا) ومثلهما قوله تعالى {بَلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}⁣[البقرة: ٨١] والفاسقُ قد أحاطت به خطيئاته إذ معنى إحاطة الخطيئة: زيادةُ عقابها على ثوابه إذ لا معنى لها ها هنا إلّا ذلك، فوجب خُلُودُهُ في النار، والخلودُ: الدَّوامُ. وقوله تعالى: {وَمَن يَقتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}⁣[النساء: ٩٣] إلى غير ذلك من الآيات العامّة بالوعيد للكافر والفاسق. ولا نعلم مُخصّصاً صحيحاً لها؛ وإذا كانت عامّةً ولا مخصّصَ لها وجب حملُها على ظاهرها، وإذا وجب حملُها على ظاهرها فهي قاضيةٌ بالوعيد بتخليد العصاة في النار. فلو جوّزنا إخلافَهَ كَشَفَ عن الكذب وهو قبيحٌ ضرورةً واللهُ تعالى لا يفعل القبيحَ.

  واعلم: أنّ هذه الدّلالة لا تُقرّر إلّا بمقدّمات أربع: الأُولى: أنَّ في اللغة ألفاظاً موضوعةً للعموم، وذلك ثابتٌ لاشكّ فيه، بدليل أنّ أسماء الشَّرط - وهي: مَنْ ونحوها والجمع المعرّف باللّام ونحوها - ألفاظٌ عامّةٌ لِسَبْقِ العموم إلى الأذهان عند إطلاقها، وصحة الإستثناء منها، ألَا ترى أنّ مَنْ قال: مَنْ دخل داري أكرمتُهُ يَعُمُّ كل عاقل بدليل صحة إستثناءِ زيدٍ وعمرٍو فالمنكر كونها للعموم لا يُلتفتُ إليه.

  الثانية: أنَّ كون تلك الألفاظ موضوعة للعموم معلومٌ مقطوعٌ به، فإنا لمّا استقرينا اللُّغة العربيّة، وتَتَبَّعْنَاهَا،