المسألة الثالثة والعشرون في عقاب الفاسقين
  مجملاً يفتقر إلى البيان. ودليلنا عليهم: أنه إذا ثبت أنّ دلالة العامِّ على مدلوله قطعيّة ثم خصصنا منه بعض مفرداته بدليلٍ مُخَصِّصٍ فإنه يجب أن تكون دلالته على الباقي بعد التخصيص قطعيّة، كما كانت لم يطرأ عليها ما يُغيِّرُها، وإنما كان التّغييرُ في الْمُخْرَجِ لا في الباقي. وإذا تقررت هذه الأربع المقدّمات بالدّلائل القطعيّة ثبت ذلك الدليل، ووجب القطعُ بما دلّ عليه.
  قالوا: قد جاء في القرآن عمومات في الوعد، عامّة للمؤْمن والفاسق، كقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: ٥٣] وقال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}[الرعد: ٠٦] وقال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَآءُ}[النساء: ٤٨] إلى غير ذلك من الآيات. وعلى الجملة فالقرآنُ مملوءٌ، وإجماعُ المسلمين منعقدٌ على وصف الله تعالى بأنّه غافرٌ، وغفورٌ، وغفّارٌ، وكثير المغفرة، وواسع الرّحمة، وأرحم الرَّحَمَة، وأرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وكثير العفو والإحسان، وعظيم التَّجاوُز والإمتنان، ونحو ذلك من الأوصاف المُشعرة بالعفو وعدم المؤاخذة، فإمّا أنْ يكون ذلك مع وجود التوبة من العبد، أو تكفير ثوابه لعقابه، أو يكون مع عدمهما؛ والأوّل باطلٌ إذ المُسقط لعقاب المعصية حينئذٍ هو التوبة أَو الثواب. وليس لِلَّهِ تعالى حينئذٍ تفضُّل عندكم بعدم المؤآخذة إذ قبول التوبة ثابتٌ قطعاً، والمؤآخذة بعدها قبيحٌ منه، فكيف يتمدّح به، ويصف نفسه بغاية الكرم ونهاية الجود. وأيُّ سَعَةٍ