كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثالثة والعشرون في عقاب الفاسقين

صفحة 267 - الجزء 1

  خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا: نُحَسِّنُ الظن بالله، وكذبوا لو أحسنوا الظنَّ بِاللّهِ لأحسنوا العمل.

  قال الإمام المهدي #: لولا هذه الآية لكان الحقُّ ما ذهب إليه أبو حنيفة من القول بالوقف لتعارض عمومات الوعد والوعيد، وعدم علمنا بالمخصص منهما للآخر وهذا بناءٌ من المهدي # على أنّ الترجيح إنّما يفيد الظن أوْ لأنّ العامّ دلالته ظنيةٌ كما هو قول الأكثر في أصول الفقه، فعدل إلى الإحتجاج بالآية هذه لأنّ دلالتها على نفي الإرجاء قطعيّةٌ، فإن العامَّ إنّما يكون ظنيّ الدلالة عند بعضهم فيما عدا سببه، فأمّا في سببه فهو قطعيُّ إتّفاقاً وأمّا قول المخالفين: إنّ المغفرة لا تكون مع التوبة والتكفير فقول باطل، لأنّ حقيقة المغفرة هي أن لَّا يُعجل للعبد ما يستحقُّهُ من العقاب، فإنه تعالى قد قابل أنواع الكفور والعصيان بسوابغ النعم والإحسان، ولا شك أنّ ذلك أعظم الحلم، وأوسع الغفران، وقد سمّى اللهُ تعالى تأخير العقاب عفواً كما قال تعالى في قصة اليهود: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}⁣[البقرة: ٥٢] {وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ}⁣[الشورى: ٣٠]. وأيضاً: فإنّا نقول: أراد بذلك المغفرةَ مع التوبة وقولكم حينئذٍ لا يُسمّى غفراناً.

  قلنا: قد سمّاهُ اللهُ غفراناً فإنّ كتاب الله تعالى مملوءٌ بالمغفرة مع التوبة فكيف لا تُسمُّونه غفراناً.