المسألة الرابعة والعشرون في المنزلة بين المنزلتين
  حَمْلُ المُطلقِ على المقيّد، لا سيما مع كثرة المقيّد وقلّة المطلق كما في مسألتنا؛ وبذلك بطل ما تمسّكوا به، وتَمَّ ما أردنا والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (فَثَبَتَ بِذَلِكَ) الذي ذكرنا (خُلُودُ كل فَاسِقٍ وَفَاجِرٍ فِي النَّارِ) وبطل ما قاله المخالفون.
«المسألة الرابعة والعشرون» [في المنزلة بين المنزلتين]
  وتُسمَّى أيضاً مسألة الأسماءِ والأحكام وحقيقةُ المنزلة بين المنزلتين لُغةً: كون الشّيءِ بين شيئينِ يَنْجَذِبُ إلى كل واحدٍ منهما بِشَبَهٍ. واصطلاحاً: كون صاحب الكبيرة ممّن ليس بكافرٍ؛ له أسماءٌ وأحكامٌ بين أحكام المؤمن والكافر وأسمائهما. والمرادُ بالمنزلة بين المنزلتين: هو الفاسقُ، وفسقهُ بسبب عصيانه بما هو كبيرٌ غيرُ مخرجٍ من المِلّة لآ إنْ أتى صغيراً فمؤمنٌ، أو كبيراً مُخرِجاً من الملة فكافرٌ. وحينئذٍ يتوجَّه الكلام إلى قسمة المعاصي: إلى كبائر وصغائر.
  فنقول: قد نطق القرآن بذلك قال تعالى: {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَاهَا}[الكهف: ٤٩] وقال تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ}[القمر: ٥٣] وقال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}[النجم: ٣٢] وما ارتكبه الأنبياءُ $ يُقطع بِصِغَرِهِ لوقوعِهِ منهم على جهة التّأويل، وهو إمّا لتفريطهم في التحرُّز لظنّهم