المسألة الرابعة والعشرون في المنزلة بين المنزلتين
  فإذا عرفتَ ذلك فاعلم: (أنّ أصْحَابَ الْكَبَائِرِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ كَشَارِبِ الْخْمرِ، وَالزَّانِي، وَمَنْ جَرَى مَجْراهُمْ يُسَمَّوْنَ فُسَّاقاً وَفُجَّاراً) إجماعاً.
  والفسق في اللُّغة: الخروج على جهة الإضرار، ومنه قيل للفأرة: فُوَيْسِقَةٌ لخروجها من جحرها لطلب المضرّة. وفي الاصطلاح: عبارةٌ عن معاصي مخصوصة يُستحقُّ لأجلها أَحكامٌ مخصوصةٌ وعقابٌ عظيمٌ دون العقاب الأعظم. وحقيقة الفاسق: مَنِ استحقّ عقاباً عظيماً دون العقاب الأعظم، مع أحكام دنيويّة مخصوصة. (وَلَا يُسَمَّوْنَ مُؤْمِنِينَ) عندنا خلافاً للمرجئة بناءً منهم على أنّ الإيمان: هو المعرفةُ والإقرارُ أو أحدهُمُا، والأعمالُ خارجةٌ عنه. فالفاسقُ مُؤْمنٌ بإيمانِهِ فاسقٌ بفسقه (وَلَا) يُسَمَّوْنَ (مُنَافِقِينَ) خلافاً للحسن البصري؛ وفي ذلك وقعت المناظرة بينه وبين واصل بن عطاء؛ واحتج الحسن بوجهين: أحدهما: أنّ الفاسق لو كان يقطع بصدق الوعد، والوعيد، والجنة، والنار لما ارتكب الكبيرة المُوجبة للهلكة والموقعة في العذاب الدّائم. وثانيهما: قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[التوبة: ٦٧]. (وَلَا) يُسَمَّوْنَ (كُفَّاراً) خلافاً للخوارج فإنهم يقولون: إنّه فاسقٌ كافرٌ. ثم افترقوا فمنهم من قال: هو كافر لفظاً دون الحكم، فلا يكون حكمه حكم الكافر، ومنهم من قال: أصحاب الكبائر كفار لفظاً ومعنىً، ويُجْرُونَ على مَن هذا حاله أحكامَ الكفر التي نذكرها بعدُ. ثم اختلف هذا الفريق فبعضهم وهم الأُباضيّة جوّزوا أن يُقال فيه: إنه