كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الرابعة والعشرون في المنزلة بين المنزلتين

صفحة 274 - الجزء 1

  مشركٌ، والذي عليه أكثرهم المنع، واشتهر للناصر # القول بأنه يُسمَّى كَافِرَ نعمةٍ، قال: لأنّ فعل الطاعات واجتناب المعاصي كالشكر على نعم الباري تعالى، فإذا ارتكب العبد شيئاً من هذه المعاصي كان كمن لم يشكر نعمته تعالى وحكى في الأساس مثل هذا عن ابن عباس، والصادق، والقاسم، والهادي، وأحمد بن سليمان $، قال فيه: وروي أنه إجماع قدماءِ العِترة، والشّيعة.

  قلت: وهو الحقُّ لِمَا قدّمنا من الدليل على أنَّ الطاعات شكرٌ. (وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُسَمَّى كَافِراً) كما زعمت الخوارج (أَنَّ الْكَافِرَ لَهُ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ، وَأَسْمَاءٌ مَعْلُومَةٌ لَا تَجُوزُ عَلَى الْفَاسِقِ، أَمَّا أحْكَامُهُ فَنَحْوُ حُرْمَةِ الْمُنَاكَحَةِ وَالْمُوَارَثَةِ وَالدَّفْنِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ) أجمعت الصّحابةُ على أنه لا يثبت في حق الفاسق شيءٌ من هذه الأحكام؛ ولهذا فإنهم كانوا يُقيمون الحدود على الجُناةِ ولا يُفرِّقُون بينهم وبين أزواجهم، فلو كان الجناةُ يُسمَّوْنَ كُفّاراً لحرُمت المناكحةُ بينهم إذ لا مناكحة بين أهل ملّتينِ؛ ويدل على ذلك أنّ اللهَ شرع اللّعان بين الزوجينِ متى قذف الزوجُ زوجته ورماها بالزّنا فإنهما يترافعان إلى الحاكم، فإذا أصَرَّا على ذلك حلّفهما ثم يُفرِّقُ بينهما بعد ذلك، فلو كان الفسق كفراً كما تقوله الخوارج لحصلت البينونةُ بينهما بنفس المعصية، ولم يحتج إلى تفريق الحاكم لأنّ أحدهما يكون فاسقاً لا محالة، لأنّ الزوج إنْ كان صادقاً كانت الزوجةُ فاسقةً لأجل الزّنا وإن كان كاذباً كان فاسقاً لأجل القذف الذي نص الله تعالى على أنه فسقٌ بقوله تعالى: {وَأُوْلئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}⁣[النور: ٠٤] إذ لا مُلَاعَنَةَ مع بطلان الزوجيّة كما لا ملاعنة بين