المسألة الخامسة والعشرون في الشفاعة
  يأتي. وهي في أصل اللغة مأْخوذة من الشَّفع وهو نقيض الوتر. والشّفعُ: الزَّوجُ، والوترُ: الفردُ، ولذلك يقال: شَاةٌ شَافِعٌ إذا كان معها ولدُها. ويُسمَّي الشفيعُ شفيعاً لإنضمامه إلى المشفوع له، ومنه سُمِّيتِ الشّفعة شُفعةً لمّا كان غرض الشّافع بها ضَمَّ المال المشفوعِ إلى مَالِهِ الأصلي. وحقيقتها في الإصطلاح: السُّؤال لجلب نفع الغير أو دفع الضّرر عنه على وجهٍ يكون غرض السّائل حصول ما سأل لأجل سؤاله. فقولنا: السُّؤال ليخرج بذلك ما ليس بسؤالٍ. وقولنا لجلب نفعٍ إِلى الغير أو دفع ضررٍ عنه ليُحترز بذلك عن السُّؤال لجلب الضرر أو فوت النفع، وقولنا إلى الغير ليُحترز بذلك عن سؤال ذلك للنفس فإنه لا يكون شفاعةً، وقولنا على وجهٍ يكون غرض السائل حصول ما سأل لأجل سؤاله، لنحترز به عمّا إذا لم نقصُد ذلك بل قصدنا نفع أنفسنا، ولهذا فإنّا نسأَلُ للنبيء ÷ الوسيلةَ والدّرجةَ الرفيعةَ ولا نكون شافعين له، لأنّا لم نقصد بسؤالنا ذلك حصوله لَهُ لِأنّ الله قد أخبرنا أَنه يفعل ذلك من غير سؤالنا، وإنّما قصدنا بسؤالنا تحصيل الثّواب لأنفسنا، مع أنّا متعبّدُون بذلك.
  واعلم: أنّه لا خلاف بين أهل العدل قاطبةً - بل أهل الإسلام - أنّ شفاعة النبيء ÷ يوم القيامة ثابتةٌ مقبولةٌ لا يخالف في ذلك إلّا المطرفيّة فإنهم منعوا من شفاعته ÷ قالوا: لِأنّه إنْ شفع في أمرٍ واجبٍ فَاللّهُ يفعلُهُ