كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

معاني النظر

صفحة 47 - الجزء 1

  ورابعها: نظر الرّحمة وهو إرادة حصول منفعة للغير أو دفع مضرّة عنه ومنه قول الشاعر:

  أنْظُرْ إلَيَّ بِنَظْرَةٍ مِنْ رَّحْمَةٍ ... فَالْفَقْرُ يُزْري وَالنَّعِيمُ يُبَجِّلُ

  ويروى: بعينِ بِرِّكَ نَظْرَةً. قال الدّواري: فيه نظر لأنه أراد تقليب الحدقة، وكأنّه جعل للرّحمة حدقةً ولتلك الحدقة نَظَراتُ تَعَطُّفٍ وَرَأْفَةٍ، فأمره أن ينظر إليه بتلك النظرات وهذا على جهة الإستعارة الرّائقة؛ ويشهد بذلك أنّ الرحمة قد ذكرت فلا يصح أن يكون المراد نظر الرحمة. ومن ذلك قول الله تعالى في قصة أهل النار: {وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ}⁣[آل عمران: ٧٧] معناه: ولا يرحمهم.

  وخامسها: نظر الفكر وهو المراد هنا وهو إجَالَةُ الخاطر في شيءٍ ليحصل اعتقادٌ، ويُرادفه التّفكر وعليه حمل قول الشاعر:

  أُنْظُرْ بِفِكْرِكَ تَسْتَبِينَ المَنْهَجا .... وَاعْلَمْ بِأنَّ الفِكْرَ هُوَ سَبَبُ النَّجَا

  ومنه قوله تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}⁣[الغاشية: ١٧] معناه: أفلا يتفكرون في خلقها، لأنهم قد كانوا ينظرون إليها نظر الأحداق. فحثَّهم على ما أهملوه وهو الفكر بالقلب. وهو ينقسم إلى صحيح وفاسد، فالصحيح ما تُتبِّعَ به أثَرٌ نحو: التفكُّر في المصنوع ليُعرف به الصانع. والثاني: ما كان رجماً بغيبٍ نحو: التفكُّر في ماهيّة الرُّوح، وذات الباري تعالى.

  نعم: والقول بأنّ النظر الصحيح يجب على المكلِّف هو قول أئمتنا