المسألة الخامسة والعشرون في الشفاعة
  وإن لّم يشفع، وإن شفع في أمرٍ لا يجبُ لبعض المكلفين فهذه مُحَابَاةٌ واللهُ تعالى مُنَزَّهٌ عنها وقولهم باطلٌ لِمَا ذكرنا من إجماع الأُمّة قبل حدوث مذهبهم الباطل، والإجماعُ حُجّةٌ. وقوله تعالى: {وَمِنَ اللّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}[الإسراء: ٧٩] وعسى في اللُّغةِ تفيد التَّرجي، وفي كتاب الله تعالى تكونُ للقطع؛ ويدل على ذلك قوله ÷: «مَنْ كَذَّبَ بِالشَّفَاعَةِ لَمْ يَنَلْهَا» ولكن اختلفوا لمن تكون شفاعته من أُمَّتِهِ: فقال جمهور العدليّة: (إنَّ شَفَاعَةَ النَّبِيء ÷ لَا تَكُونُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ النَّارَ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ أصلاً؛ وإنَّمَا تَكُونُ لِلْمُؤْمِنِينَ) أهل الثواب فقط. واختلف أهل هذا القول في ثمرتها للمؤمنين، فالذي عليه أكثرهم أنّها تكون لزيادته بها نعيماً إلى نعيمهم وسُرُوراً إلى سُرُورِهِم، وهو الذي عنى بقوله: (حَتَّى يَزِيدَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِشَفَاعَةِ النَّبِيء ÷ تَشْرِيفاً) ورفعةً في الدّرج بالتّفضُّلاتِ. وقال أبو الهذيل: بل ثمرتها إعادة ما أحبطتهُ المعصيةُ من الثّواب. القول الثالث: أشار إليه بقوله: (أَوْ تَكُونُ لِمَنْ تَسْتَوِي حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئاتُهُ) على القول بصحة الإستواءِ (فَيَشْفَعُ لَهُ النَّبِيءُ ÷ لِيَدْخُلَ الْجَنَّةَ) تَفَضُّلاً. والخلاف في ذلك مع المرجئة فإنهم يقولون: إن شفاعته تكون لِفُسَّاقِ هذه الأُمَّة الذين استحقُّوا العقاب. فمنهم من يقطع بها، ومنهم من يُجوِّزُها، قالوا: إذ