كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الخامسة والعشرون في الشفاعة

صفحة 282 - الجزء 1

  الشفاعةُ موضوعُها لدفع الضّرر وأهل الجنة مستغنون. (وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ شَفَاعَة النّبيء ÷ لَا تَكُونُ لِأَحَدٍ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي: الفاسقين، إذ لا خلاف بين المسلمين أنّ الفاسقَ ظالمٌ وقد قال تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}⁣[الطلاق: ٠١] والفاسقُ مَنْ جملة مَنْ تعدّى حدود الله.

  واعلم أنّ الشفاعة لا تخلُو إمَّا أن تُسْقِطَ العقابَ بنفسها، أو يكون الْمُسْقِطُ له هو المشفوع إليه عندها، والأوّل باطلٌ: إِذ العقابُ حقٌّ للمشفوع إليه، لا للشّفيع، فلا يسقط بإسقاط الشّفيع، فتعين الثاني، وحينئذٍ يكون إسقاطُهُ للعقاب إنّما هو على وجه التّفضُّل مع بقاءِ الإستحقاق؛ وإسقاطُهُ كذلك ممّا لا مدخل للعقل فيه؛ بل إنّما يُعرف بالسّمع؛ وأدلّة السّمع قد دلّت على عدم الشّفاعة لهم كقوله تعالى: {مَا لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}⁣[غافر: ١٨] (والظالمين) جَمْعٌ مُعرّفٌ باللّام، وشفيعٌ نكرةٌ في سياق النّفي فتقتضي العموم في كُلٍّ منهما. وقد تقدم أنّ دلالة العام في مثله قطعيَّةٌ، وقوله تعالى خطاباً لنبيئه ÷: {أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النّارِ}⁣[الزمر: ١٩] وقوله تعالى {لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا}⁣[البقرة: ١٢٣] ثم قال تعالى: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ}⁣[البقرة: ١٢٣] ثم قال: {وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ}⁣[البقرة: ١٢٣] ونفسٌ، وشفاعةٌ، ويُنصرون نَكِراتٌ في سياق النّفي فتكون عامّةً. وقوله تعالى: {مِّن قَبْلِ أَن يَأتِيَ يَوْمٌ لَّا