كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الخامسة والعشرون في الشفاعة

صفحة 285 - الجزء 1

  أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَآ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}⁣[المجادلة: ٢٢]، فلو شفع له النبيءُ ÷ لكان قد رضيَ عمن سخط اللهُ عليه، ولكان قد وَالَى وأحبّ من تبرّأ اللهُ منه وعاداه. ومن ظن برسول الله ÷ شيئاً من ذلك فقد ارتكب عظيماً. ثم يقال للمرجئة: هل يحسُن من الإنسان أن يدعو إلى الله تعالى أن يدخله في شفاعة مُحَمَّدٍ ÷؟ فإن قالوا: لا؛ خالفوا الإجماع، وإن قالوا: نعم؛ [قلنا:] فهل يحسُن منه أن يَدْعُوَ إلى الله أن يُميتَهُ فاسقاً حتّى يشفع له النبيءُ ÷؟ فإن قالوا: نعم، خالفوا الإجماع والمعقول. وإن قالوا: لا يحسُن.

  قلنا: قد ثبت أنّ شفاعته # لا تكون لفاسقٍ. ثم يقال لهم: ما تقولون في رجلٍ حلف بطلاق نسائهِ، وعتق عبيده، وإمائهِ، وصدقة ماله، ليفعلنّ ما يستحق به شفاعة النبيء ÷، هل يُؤْمر بالبِرِّ والإحسان، أم يُؤْمرُ بفعل العصيان؟ فإن قالوا بالثاني خرجوا من الدّين وممّا عليه جميع المسلمين، وإن قالوا بالأوّل ثبت ما ذهبنا إليه من أنّ الشفاعة لا تُستحقُّ إلّا بالإيمان. قالوا: ورد الإستثناءُ في قوله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ١٠٦ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}⁣[هود: ١٠٦ - ١٠٧].

  قلنا: المعنى: هم خالدون في النار مدة القيامة؛ إلّا مدّة وقوفهم في المحشر؛ للقطع بالوقوف فيه للحساب، كما في الإستثناءِ في حق أهل الجنة في قوله تعالى: {إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}⁣[هود: ١٠٨] إذ لا خلاف