المسألة السادسة والعشرون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
  عقلاً ظهور المنكرات وانتشارها من غير نكيرٍ لجرى ذلك مجرى الإباحة والرِّضا بها وهو قبيحٌ عقلاً. وذهب أبو هاشم إلى أنّه لا يجب عقلاً إلّا في مَوْضِعٍ واحدٍ وهو حيث يلحق الواحد منّا ضررٌ بذلك المنكر كأَنْ يُرى يتيماً يُضربُ أو ضعيفاً يُظلمُ فيلحق الرَّائِي الغمُّ وَالْمَضَضُ بذلك فيجب عليه إزالة ذلك المنكر دفعاً للضّرر عن نفسه؛ وهذا القولُ هو الذي رجّحهُ الإمام المهدي #، قال: لأنه لو وجب عقلاً لم يكن وجوبُهُ إلَّا لوجهٍ كما هو حكم الواجبات العقليّة، ولا وجه لوجوبه من جهة العقل إلّا كونه أمراً بمعروفٍ ونهياً عن منكرٍ إذ لا وجه يصلُح للعلّة غير ذلك، ولو كان وجوبُهُ علينا وإلجاؤُنا للمأمورين الْمَنْهِيِّينِ لهذه العلّة لاطَّرَدَ في حق الباري تعالى وكان يُلجيء المكلفين إلى فعل المعروف وترك المنكر؛ لأنّ ما وجب وُقُوعُهُ على وجهٍ اطَّرَدَ شاهداً وغائِباً. واتَّفقَ العلماءُ الذين قالوا بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أنّ السّمع دليل على ذلك وهو قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران: ١٠٤] فهذا أمرٌ عامٌّ لكل مُكلَّفٍ وكل وقتٍ، والأمر يقتضي الوجوب لقوله تعالى: {فَلْيَحذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور: ٦٣] إلّا أنه فرضُ كفايةٍ على الكافَّة، لأنه أمرٌ لطائفةٍ غير مُعيَّنَةٍ، وهذه الآية لا تدل على وجوب القتال، فلا بُدّ من أن تنضمّ إليها الآية الأُخرى وهي قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَينَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ