كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

معاني النظر

صفحة 49 - الجزء 1

  على معرفته ضرورة (وَهِيَ وَاجِبَةٌ) لذلك لا لغيره (وَلَا طَرِيق لِلْمُكَلَّفِينَ إِلَيْهَا سواهُ) أي: النظر لإمتناع أن نعرفه بالبديهة وإلّا لَما اختلف العقلاءُ فيه، ومعلومٌ خلافُهُم، أو بالمشاهدة لأنها لو صحت مشاهدته في حال من الأحوال لشاهدناه الآن ومعلوم أنَّا لا نشاهده الآن، وسيأتي لهذا مزيد إيضاحٍ، وبالأخبار المتواترة لأنّ الأخبار المتواترة لا تكون طريقاً إلى العلم إلَّا إذا كانت مستندة إلى المشاهدة، بدليل أنه لو أخبرتنا طائفةٌ عظيمةٌ بوجود بلدٍ في الدّنيا يُقال لها بغداد لعلمنا ذلك، ولو أخبرتنا تلك الطائفة أنّ الله تعالى يُرى بالأبصار لم نعلم صحة خبرها، ولم يكن فرق إلَّا أن الأوّل مستندٌ إلى المشاهدة التي لا يجوز فيها الإلتباس، والثاني مستندُهُ الإعتقاد الذي يدخله الإلتباس. فلمّا سَبَرْنَا هذه الأقسام ولم نجد منها واحداً يصح أن يكون طريقاً إلى معرفة الباري علمنا أنه لا طريق إليها سوى النظر الذي هو الفكر إذ لا طريق تعْدُو هذه الأربع، وإذا تقرّر ذلك علمنا وجوب النظر، لأنّ من المعلوم أنّ (مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجَبُ) الذي هو المعرفة مثلاً (إلاَّ بهِ يَكُونُ وَاجِباً كَوُجُوبهِ) وإلَّا وقع الإخلال بالواجب، وقد قضى العقلُ بقبحه؛ دليل ذلك: أنّ من وجب عليه قضاءُ دينٍ أو ردُّ وديعةٍ، أو نحو ذلك، ولم يتمكن من ذلك إلَّا بالقيام وفتح الباب، وإخراج المال فإنها تجب عليه هذه