المسألة الأولى الكلام في إثبات الصانع
  لفاطمة وقد ذُكرت عندها مريم: «تِلْكَ سَيَّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا وَأنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» والقول بأنّ لهذا العالَم صانعاً فاعلاً مُختاراً هو مذهب جميع فرق الإسلام، وأكثر فرق الكفر من أهل الكتب، وكثير من عبدة الأوثان؛ والخلاف في ذلك مع الملحدة، والفلاسفة، والدهريّة، والطبايعية، والباطنية. ثم اختلفت هذه الفرق الضّالة على قولين: فالملحدة والدّهريّة، والطبايعيّة، والفلاسفة المتقدمون ينفون المُؤثِّر ويقولون: لا صانع جملةً ولا تفصيلاً، ويقولون: العَالَمُ قديمٌ، وما ثمَّ إلاَّ ليلٌ ونهارٌ وشمسٌ وأقمارٌ وفَلَكٌ دوّارٌ وقد حكى الله مقالة الدّهرية في قوله تعالى: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية: ٢٤] والقول الثاني: وهو قول الباطنية، والفلاسفة الإسلاميّين: إثبات مؤثّر جملةً، قالت الفلاسفةُ الإسلاميّةُ: إن أصل العالَم عِلّةٌ مُوجِبةٌ، وتلك العلّة غير موصوفة بشيءٍ من صفات الإثبات، لأنها لو وُصِفَت لتعدّدت وتكثرت، وتلك العلة غيرُ مختارةٍ، والعالَمُ ملازمٌ لها في الوجود وفي القدم ملازمة شعاع الشمس لها، قالوا: ثم إنّ تلك العلة أثّرت في ذاتٍ يُقال لها عقلاً، فحصل لهذا العقل خِلالٌ ثلاثٌ: عقل لباريه وهي: العلة الموصوفة، وصحة وجوده في نفسه، وإمكان وجوده من باريه، وهذه الخصال تتفاوت عندهم في الرّتبة والشّرف؛ أشرفها صحة وجوده من باريه، وأوسطها عقل لباريه وأدناها إمكان وجوده في نفسه، ولأجل هذه الخلال الحاصلة له أثّر في ثلاثة أشياءٍ لأجل الأشرف: أشرف، ولأجل الأوسط: أوسط، ولأجل الأدون: أدون. أثّر لأجل عقله لوجوده من جهة باريهِ في عقلٍ، ولأجل عقله لإمكان