كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الأولى الكلام في إثبات الصانع

صفحة 61 - الجزء 1

  وجوده في نفسه في فلكٍ، ولأجل عقله لِباريهِ في نفس فَلَكٍ ثم حصل لهذا العقل من الخلال ما حصل للأوّل، وأثّر في مثل ما أثّر فيه العقل الأول، ولم تزل العقول كذلك إلى أن بلغت عشرةً، والأفلاكُ تسعةً، والنفوسُ تسعاً، والعقل العاشر هو المتولّي تدبير جميع العالَم من الإيجاد، والإحياءِ والإماتة؛ وسائر ما اشتمل عليه العالم منوطٌ بهذا العاشر. فأمّا الذّات المتقدمة وما يليها إلى العاشر فلاحظّ لها في شيءٍ من أمر العالم، ولهم أقوال تخالف ذلك، وكلها متفقة أنّ الذي ينتهي إليه جميعُ العالم علّةٌ، وأنّ العالم ملازم في وجوده وجودها في القدم. وسُمُّوا هؤلاءِ فلاسفةً إسلاميين لأنهم يقرِّون بظواهر الإسلام وقيل: لحدوث مذهبهم بعد بعثة النبيء ÷.

  وأمّا الباطنيةُ: فلهم أقوال جمّة؛ من جملة أقوالهم: قولٌ يشابه هذا القول إلَّا أنه يُفارقه من ثلاثة أوجهٍ: الأوّل: أنهم يقولون: إنّ هذه العلّة غير موصوفة بنفي ولا إثبات، حتى أنهم قالوا: لولا الضرورة لما سميناها الله. والفلاسفة لم يتكلّموا على النفي؛ الثاني: أنهم يُسمُّون العقلَ الأوّلَ سابقاً والثاني تالياً؛ الثالث: أنهم يقولون إنّ العقل الثالث تحيّر لأنه لم يحصل له العلم من أوَّلِ وَهْلَةٍ كما حصل لغيره من العقول من الخلال الثلاث، فحُطّ في المنزلة العاشرة؛ وسبقه ما بعده على سبيل العقوبة له، فهو المنوطُ به أمرُ العالَم عقوبةً له، ويُسمُّون هذا العالم عالم الكون والفساد. ومنهم من قال: أمرُ العالم مَنُوطٌ بالعقل الثاني المُسمّى بالتالي، ويحكى عنهم أقاويل باطلة غير ذلك.

  واعلم: أنّ الكلام إنّما هو في الأجسام أنفسها وأمّا تراكيبها فلا خلاف في حدوث