المسألة الأولى الكلام في إثبات الصانع
  أيضاً، وعمق الأجسام: هو الجواهر المؤتلفة أربعة فصاعداً من أعلى إلى أسفل مع الصفيحة، ونقول إنّ كان المراد بالجوهر ما اصطلح عليه بعضُ المعتزلة من أنه الذي يشغل الحيِّز من جهةٍ واحدةٍ دون الثلاث فذلك مِمّا لا يُعقل لأنّ ما منع الحيِّز من جهة لا يعقل إلّا بيمينٍ وشمالٍ وأمامٍ وخَلْفٍ وفَوْقٍ وتَحْتٍ، وإن كان المراد به المتحيِّز غيرُ المنقسم ممّا ليس له طولٌ وعرضٌ وعمقٌ فذلك صحيح. وبيان ذلك: أن أهل الإسلام وكثيراً من الفرق الكفرية ذهبوا إلى أنّ الجسم لا يزال ينقسم إلى حدٍّ لا يمكن إنقسامُهُ وذلك هو الجوهر. وقال النظام والمطرفيّةُ: لا يزال الجسم يمكن في المقدور أن ينقسم أبداً مُؤبَّداً إلى ما لا نهاية له. وذهبت الفلاسفة إلى أنه لا يزال يمكن في المقدور أن ينقسم حتى يبلغ حدّاً لا يمكن إنقسامُهُ بالفعل ثم يتكثر بعد ذلك حتّى يصير ممكناً إنقسامُهُ، وعندهم أنّ الجوهر لا ينقسم بالفعل وإنّما يمكن انقسامه بالقُوَّة والأصح الأوّل، وقد أُلزم النظام القول بالطفر حيث لا يمكن قطع المسافة اليسيرة إلّا بقطع الأجزاء، وهي لا تتناهى عنده، وقطع ما لا يتناهى محال، فقال: إنّ القاطع يطفر ما لا يتناهى. والطّفْرُ في نفسه غيرُ معقولٍ لأنه كون الجسم في جهةٍ بعد أن كان في جهة أُخرى من غير قطع مسافةٍ بينهما وذلك محال، هذا. وما ذكرناه من أنّ أهل الإسلام وغيرهم أجمعوا على أنّ الجسم لا يزال ينقسم إلى حدٍّ لا يمكن إنقسامُهُ وهو الجوهرُ، حكاه الدّواري وهو مصرح بأن لّا قائل بإنكار الجوهر، وهو خلاف ما عثرتُ عليه في حقائق المعرفة