تنبيه
  وجودها في الجسم وعدمها على ثلاثة أضربٍ:
  منها: ما لا يجوز خُلُوُّ الجسم عنه بكل حالٍ وهي هذه الأكوان فإنه لا يجوز خُلُوُّهَا عنه بكل حالٍ.
  ومنها: ما يجوز خُلُوُّها عنه بكل حالٍ وهو كل عَرَضٍ غيرُ باقٍ أو بَاقٍ ولا ضدّ له. فغير الباقي كالإرادة، والإعتقاد، والأصوات، ونحو ذلك. والباقي ولا ضدّ له كالقدرة، والحياة، والتّأليف.
  ومنها: ما يجوز خُلُوُّهَا عنه قبل حلوله فيه، وبعد حلوله لا يجوز خُلُوُّهَا عنه أو عن ضدّه، وذلك كل عرضٍ باقٍ له ضِدٌّ كالألوان والطُّعوم ونحوهما، فأما المصنف فقد أشار إلى ما ذكرنا عن الزيدية ومن وافقهم بقوله: لم تخل من الأعراض المحدثة التي هي: الحركةُ والسُّكونُ ... [إلى آخره].
  وأمّا الأصل الرابع: وهو أنّ (مَا لَمْ يَخْلُ مِنَ الْمُحْدَثِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ فَهُوَ مُحْدَثٌ مِثْلُهُ) فهذا هو مذهبنا، وهو الذي عليه أهل العدل، وأكثر ملل الكفر. وقال قوم من الفلاسفة: الجسمُ قديمٌ مع أنه لم يخل من الأعراض المحدثة ولم يتقدمها، وحرَّر لهم ابن الراوندي شبهتهم لتقرير مذهبهم بأن قال: إنّ الجسم لم يخل من حادثٍ، وقبل الحادث حادثٌ، وقبله حادثٌ، إلى ما لا نهاية له، وذكر أنّ جملتها قديمةٌ وآحادها محدثةٌ، فالجسم لم يخل منها، وهو مقارن لأوَّلها، والأوَّلُ لا أوّلَ لَهُ فكان الجسمُ قديماً.
  والجواب: أنا إذا علمنا أنّ الجسم لم يخل من الأعراض وأنه لم يسبقها - كما تقدم ذلك في الدعوى الثالثة - وهي محدثة كما تقدم في الدعوى الثانية - لزم حدوثه لأن الجسم لا يخلو إمّا أن يُوجد قبلها أو معها أو بعدها، والأوّل باطل لِمَا