المسألة الأولى الكلام في إثبات الصانع
  بيّنا من أنه لم يتقدّمها، والأخيرانِ يلزم منهما حدوثه لأنّ ما وُجِدَ مع المحدث أو بعده فهو محدث. وقول ابن الراوندي: أنّ آحادها محدثةٌ وجملتها قديمةٌ باطلٌ، لأنّ صِفَتَيْ القِدَم والحدوث يرجعان إلى الأجزاءِ وهي: الآحَادُ، فإذا كانت محدثةٌ كانت الجملة كذلك فثبت بما قرّرنا من الأصول الأربعة (أَنَّ هذِهِ الأجْسَامَ مُحْدَثَةٌ) وبطل قول من قال بقدمها، وبقي أن يقال: قلتم: والمحدث لابد له من محدث والمطلوب بيان دليله؟
  قلنا: (الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أنَّ الْمُحْدَثَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ) أمرانِ: أحدهما ما ذكره الشيخ أبو الحسين البصري، والرازي من المجبرة، وغيرهما من المعتزلة، والجبرية وهو ما يُعلم (أنَّهُ) أي: الجسم إذا كان في الأصل معدوماً ثم خرج من العدم إلى الوجود (لَمْ يَكُنْ له بُدٌّ مِنْ مُخْرِجٍ أَخْرَجَهُ وَإلَّا وَجَبَ بَقَاؤُهُ عَلَى عَدَمِهِ الأَصْلِي) أَمَّا إنه كان في الأصل معدوماً فقد دللنا على حدوثه. والمحدَثُ هو الموجود بعد أن لّم يكن، وأمّا إنّه لا بُدّ من أمرٍ فلا شك في ذلك إذ هو (يُعْلَمُ بِأَدْنَى نَظَرٍ) وتأمُّلٍ، بل من أصحابنا مَنْ قال هو معلوم ضرورةٌ، فصحّ أنّ ثَمَّ مُؤَثِّراً على سبيل الجملة. الأمر الثاني: ما ذكره جمهور المعتزلة كأبي علي، وأبي هاشم، وغيرهما، وأكثر الزيدية؛ وهو القياس على أفعالنا كالبناءِ والكتابة بجامع الحُدُوث، وبيان ذلك أنّ أفعالنا محتاجةٌ إلينا قطعاً، لأنها توجد بحسب قصودنا ودواعينا، وتنتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا مع سلامة الأحوال إمّا مُحقّقاً وإمّا مقدّراً، ونُريد بالمحقّق فِعْل الْعَالِمِ المُميز لفعله، والمقدّر فِعْل السّاهي والنّائم، فإنه لم يوجد بحسب قصده وداعيه، وهو مع ذلك مضافٌ إليه. وإذا تقرّر حاجتُها إلينا فلا بُدّ من علّةٍ وهي إمّا عدمُها ولا يصح، لأنّ العدم نفيٌ والنّفيُ لا يحتاج إلى