كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

تنبيه

صفحة 71 - الجزء 1

  مُؤَثِّر، أو بقاؤُها ولا يصح أيضاً؛ بدليل أنّ أحدنا يخرج عن كونه قادراً بل عن كونه حيّاً، وأفعالُهُ باقيةٌ مستغنيةٌ في بقائها عنه، فلم يبق إلّا أنْ تكون محتاجةً إلينا في حدوثها، فيجب أن يكون علة احتياجها هو حُدُوثُها، فإذا شاركها الجسم في الحدوث وجب مشاركته لها في الاحتياج إلى فاعلٍ مُختار وإلّا بطل كونُها علّةٌ. وها هنا أصلٌ، وفرعٌ، وعلّةٌ، وحكمٌ؛ فالأصلُ أفعالُنا، والفرعُ الأجسامُ، والعلّة الحدوثُ، والحكم وجوب الاحتياج إلى مُحْدِثٍ وهذا هو القياس العقلي.

«تنبيهٌ»

  قال بعض المحققين: من كان طريقه في الحكم - باحتياج الجسم إلى مُحدثٍ - قياس الأجسام على أفعالنا فهو يحكم بأنّ المُجبر لا يعلم الصّانع لجهله الدليل على إثباته، حيث أنكر أنّ للعبد أفعالاً، وهو الأصل المقيسُ عليه، وقد أُورِدَ على هذا الدليل سُؤالانِ يَصْعُبُ الجواب عنهما ولهذا مال عنه بعضُ المعتزلة والأشاعرة، واستدلوا بما ذكرناه في الأمر الأوّل وهو الذي اعتمده المصنّفُ في الكتاب، وبعض أصحابنا المتأخرين. قال في حكايته عنهم: قالوا: العَالَمُ حَدَثَ مع الجواز فلا بُدّ من مُؤَثِّر وإلّا لم يكن بأنْ يَحْدُثَ أوْلىَ مِن أن لا يَحْدُثَ، ثم يستدلون على أنه حَدَثَ مع الجواز بأنه لو كان حدوثُهُ مع الوجوب لم يكن بأنْ يَحْدُثَ في وقتٍ أوْلىَ مِنْ وقت، فيلزم قِدَمُهُ، والمفروضُ حُدُوثُهُ وبأنه لو حَدَثَ مع الوجوب لكان جنساً واحداً غير مختلفٍ في صفاته، والمعلومُ خلافُهُ، فإنّ بعضَهُ حيوانٌ، وبعضَهُ جمادٌ، وبعضَهُ سماءٌ، وبعضَهُ أرضٌ، وبعضَهُ إنسانٌ، وبعضَهُ فَرَسٌ ونحو ذلك، فعُلِمَ أنه لا بُدّ من أمرٍ لأجله حدث في وقت دون وقت