كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الأولى الكلام في إثبات الصانع

صفحة 74 - الجزء 1

  أن يوجد بناءٌ بلا بَانٍ وهو محال. وخلافهم هذا يدل على أنّ العلم - بأنّ المُحدثَ لا بُدّ له من محدِثٍ - إستدلاليٌّ لا ضروريٌّ، خلاف أبي القاسم البلْخي. قلنا: إذاً لاشترك العقلاءُ في العلم به، والثاني باطلٌ أيضاً إذ ذلك الغير إمّا علة كما يقوله بعض الفلاسفة، والعلّةُ غيرُ معقولةٍ في نفسها، سلّمنا فلا صحة لتأثيرها، إذ تأثيرها إيجاب وقد مرّ إبطاله، سلّمنا فلا بُدّ في المؤثِّر من كونه حيّاً قادراً على ما سيأتي بيانه، ولا حَيَاةَ لها ولا قُدْرَةَ.

  وأمّا الطبع: كما تقول الطبائعية فهو أيضاً غير معقول، إذ لا يُعلم ضرورةً وإلّا لاشترك في العلم به كل عاقل، ولا دليل عليه، وإلّا لظهر واستُدِلّ به، وإذا كان لا يُعلم ضرورةً ولا استدلالاً فهو غير معقول، فإن أرادوا به الباري جل وعلا فخطأٌ في العبارة إذ أطلقوا على الباري لفظاً لا معنى له، وذلك لا يصح في حقه تعالى، ولو سلّمنا أنّ الطبع في نفسه يُعقل فلا حياةَ له فضلاً عن القدرة والعلم، وذلك لا بُدّ منه في المُؤَثِّر. وتحقيقُ مذهب الطبائعية أنّ الذي يحدث من تراكيب الأجسام وما فيها من الأعراض كان بطبعها. وأمّا النجوم - كما تقول المنجّمة - وهي أجسام جَماداتٌ مسخّرات خلقها الله تعالى لمنافع عباده كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}⁣[الصافات: ٦] وقال تعالى: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلِّشَّيَاطِينِ}⁣[الملك: ٥] فلا حياة لها فضلاً عن القدرة والعلم، ولا بدّ من ذلك في المُؤَثِّر كما سيأتي. وأيضاً: فالجسم لا يقدر على إحداث جسم