المسألة الأولى الكلام في إثبات الصانع
  على ما يجيءُ. وهؤلاء المنجّمة فريقان: منهم من يقول: لا صانع غيرها، ومنهم: من يُقرُّ بالصّانع، ويقول إن الصّانع أحال التدبير إلى النجوم، والمتولي لتدبير سائر الحوادث سبعةٌ من النجوم وهي: زحل، والمشتري، والمريخ، والشمس، والزهرة، وعطارد، والقمر، قال الشاعر جامعاً لها:
  زُحَلٌ شَرَى مِرِّيخَهُ مِنْ شَمْسِهِ ... فَتَزَهَّرَتْ بِعُطَارِدٍ أقمَارُ
  وتدبيرها مرتّب كترتيب ذكرها في البيت، أوّلُها زحل، وآخرها في التدبير القمر، قالوا: فكل نجم يتولّى تدبير شهرٍ فإذا فرغت عاد التدبير إلى الأول. ومن كلامهم: أنّ هذه النجوم المذكورة تُدبِّر الجنين في بطن أُمِّهِ أوّلاً فَأولاً شهراً فشهراً فإذا كمُل الشهر السابع عاد التدبير إلى أوّلها وهو زحل، فيدبر الجنين في الشهر الثامن، فإن خرج فيه الولد هلك لأنّ من طبع زحل البرودة واليبس، وإن خرج في التاسع عاش إلّا لعارض إذ طبع المشتري الحرارة واللين، ثم كذلك. وهم مجمعون على أنّ النجوم تنفع وتضر لكن منهم من يقول تأثيرها على جهة الإيجاب، ولا قُدرة لها ولا حياةَ، وهو قول أكثرهم، ومنهم: من يقول على جهة الصحة والاختيار وهي حيّةٌ قادرةٌ عالمةٌ، وهذه دعوى لا دليل عليها.
  وإذا بطل أن تكون هذه الأشياء مؤثّرة لم يبق إلّا أن يكون المؤثِّر الصانع المختار وهو الله تعالى لا غيره لأنّ غيره ممّن كان صانعاً مختاراً إن قلنا: إنّه هو الذي أحدث نفسه فباطل إذ لا بُدّ من التمييز بين المُؤَثِّر والمُؤَثَّر ولأنه يلزم أن يتقدم على نفسه لتقدم المؤثِّر على المؤثَّر وهكذا يجري في كل جسم، وإن كان المُحدِثُ غيرَهُ والحال أنه غيرُ الله فباطل أيضاً لأنّه لا يصح من جسم إحداثُ جسمٍ وإلّا لصح منَّا إمّا في الحال أو بأن تُوجد فينا قدرةٌ مخصوصةٌ ومعلوم أنه لا يصح منّا بوجهٍ من الوجوه إذ لو صحّ منّا لكان إمّا على جهة المباشرة، أو التّعدي، أوِ الإختراع والكل مستحيل. أمّا