كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثالثة أن الله تعالى عالم

صفحة 86 - الجزء 1

  - كما مرّ في مسألة قادرٍ - وتبعه المؤلّف هنا أيضاً، وقد أُلزِمَ فيما صدر عن العلل والأسباب أنّ الصحة ثابتةٌ، وثبوتُها لا يدّل على أن المُؤَثِّر فيها عَالِمٌ. قال الدواري: يمكن الإعتذار بأنّ الصحة التي تثبت لما ذكر ليست صحةً لفعلٍ مُحكمٍ. وأمّا صحة الفعل المحكم فهي لا تصدر إلّا من فاعلٍ مختارٍ، فإستدلالُنا على أنّ ذلك غيرُ مستحيل يَكْشِفُ عن صدوره من مختارٍ. وأخذ المصنّفُ في إتمام تحرير الدليل فقال: (والأَفْعَالُ الْمُحْكَمَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ عَالِمٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أنَّ الأفْعَالَ الْمُحْكَمَةَ قَدْ صَحَّتْ مِنْهُ إبْتِدَاءً أنَّهُ أوْجَدَ الْعَالَمَ عَلَى سَبِيلِ التَّرتِيبِ وَالنِّظَامِ) معناهما واحدٌ وذلك ظاهر في ملكوت السماوات والأرض وما بينهما مع إجالة الفكر (لأنَّ فِيهِ من بَدَائِعِ الْحِكْمَةِ وَعَجَائِبِ الصُّنْعَةِ مَا يَزِيدُ عَلَى كُلِّ صِناعَةٍ مُحْكَمَةٍ فِي الشَّاهِدِ مِنْ بِنَاءٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِهِمَا) فإنّا نظرنا فوجدنا العالَمَ موجوداً على مطابقة مصلحة الخلق، واتِّساق مرافقهم، ألَا ترى أنه خلق المخلوقات أصنافاً، حيواناً، وغير حيوانٍ، نامياً وغير نامٍ، ومائعاً وجامداً إلى غير ذلك، ثم جعل لكل صنفٍ أصلاً، إذا أراد قاصدٌ حصول ذلك الصنف عمد إلى ذلك الأصل بدليل أنّ الواحد منّا إذا أراد حصول ولدٍ عمد إلى الوطءِ لآدميّة، وإذا أراد حصول حيوان عمد إلى ما يُنتج ذلك الحيوان، فإذا أراد فرساً أنْزَى ذكور الخيل على إناثها، وإنْ إبِلاً فكذلك، وإن بقراً فكذلك، وإن أراد صنفاً من النبات عمد إلى بذرِهِ فألقاهُ في الأرض ثم سقاه، واطّردت العادة بجميع ذلك بحيث لايختلف هذا كما