المسألة الثالثة أن الله تعالى عالم
  ترى رِفْقاً بنا ومطابقةً لمصلحتنا، حتّى لو لم يكن كذلك، وأراد أحدُنا شيئاً من ذلك لم يهتد إلى تحصيله.
  ثم أُنظر إلى خلق السماءِ ورفعها، وكونها كالسقف ثم إلى بسط الأرض ثم إلى ما أعدّ الله تعالى فيها من النبات، والأمواه الجارية، والمستخرجة، والجبال الرّاسية، والأخاديد، والآكام، والشُّم الشوامخ، ليعمد كلُّ واحدٍ منّا إلى ما تميل إليه نفسُهُ من ذلك ثم زُيِّنتِ السّماءُ بالقمرينِ والشُّهبِ، فهي كالمصابيح المضيئة، فمثل السماء والأرض كمثل البيت المسقوف، ومثل القمرين والنجوم كالمصابيح المُعدّة للإهتداءِ بها إلى رؤية ما في البيت وغير ذلك. والواحد منّا كالمالك يتصرف في بيته مع الشُّموع المُشْعَلَةِ، والمصابيح المُضيئة. ثم انظر إلى تركيب ابن آدم وما فيه من لطائف الحكمة وعظيم التدبير إذ هو العَالَمُ الصّغيرُ كما قال الحكماءُ، وقد أكثر الحكماءُ في الإشارة إلى بيان طرفٍ من الحكمة في خلقه ابن آدم منهم: أمير المؤمنين # قال: (عجباً لابن آدم ينظر بشحمٍ، ويتكلمُ بلحمٍ، ويتنفس من خرمٍ، ويسمع بعظمٍ، ثم انظر إلى كون وجهه في أعلاه، وهو أعظمُ أعضاءه هيئةً وجمالاً، والعينان في رأْس الوجه صيانة لهما من أن ينالهما ما ينال الرِّجلين، ثم الجفنان عليهما يغطيانهما أحياناً صيانةً لهما، وينفتحان أحياناً للإحساس وغيره، ثم انظر إلى اللّسان إذ هو لحمةٌ تتقلب وما يتفجر منه من الْكَلِمِ وَالْحِكَمِ ويبلُغُ صَاحِبُهُ به إلى الإبانة،