تنبيه
  بعد خلقٍ إلى ما لا نهاية له. ولا يجوز أن تُوصف مقدوراتُهُ سبحانه بأنّها ثابتة فيما لم يزل، لأجل كونه سبحانه قادراً فيما لم يزل. وقال بعض متأخري الزيدية كالمهدي $، وبعض صفوة الشيعة، وبعض المعتزلة: بل يجب ثبوتها ليصح تعلُّق العلمِ بها، فقالوا: ذواتُ العالم ثابتة في الأزل، ولم يقولوا أعيان العالَم موجودة في القدم، ففرقوا بين الذّات والعين، وبين الأزلِ والقِدَمِ، وبين الثُّبوت والوجود، وأَثبتوا لهم مذهباً متوسِّطاً بين مذهب العِترة - وهو القول بحدوث العالَم ذاته وصفاته - وبين مذهب الفلاسفة وهو القول بأنّ أعيان العالم موجودة في القِدَمِ لأنهم عابوا مذهب العِترة ومذهب الفلاسفة.
  والجواب: أنّ ذلك يستلزم الحاجة إليها، وقد ثبت بما سيأتي أنه ليس بمحتاج ثم إنكم مجمعون معنا على أنّ ذوات العالم هي: العالم، والعالمُ محدثٌ، والحدث نقيض الأزل، فيجب أن يستحيل الجمعُ بين وَصْفِ ذوات العالم بأنها محدثةٌ وثابتةٌ فيما لم يزل، وكذلك فإنه يستحيل بإجماعهم وجود ذوات العالم فيما لم يزل، فيجب أن يستحيل ثبوتها فيما لم يزل: لعدم الفرق المعقول بين الثبوت والوجود. ولأنّ الله سبحانه قد أخبر في كتابه بأنه الأوَّلُ. وثبت بأدلة العقل أنه سبحانه ثابتٌ فيما لم يزل، وأنّه لا أوّلَ لثبوته، فلو كانت ذوات العالم كما زعموا ثابتة فيما لم يزل لم يكن مَا لا أوّلَ لثبوته أَوْلَى بالأَوَّليّة ممّا لثبوته أوّلٌ. ثم التّعبير بالأزل بَدَلاً عن القدم، وبالثبوت بَدَلاً عن الوجود، وبالذّات بَدَلاً عن العين مخالفٌ لِمَا عليه عرف أهل اللغة العربية من ترادف هذه الألفاظ. ألَا ترى أنه لا يجوز أن يُقال: اللهُ سبحانه قديمٌ غيرُ أَزَليِّ، ولا موجودٌ