المسألة الخامسة أن الله سميع بصير
  وجعلوهما صفةَ مُدرِكٍ، والباري لا يُوصف بهما في الأزل بل تجدّدت له بعد وجود الْمُدْرَكِ، والمصرّح به في أقوالهم أن المراد بذلك أنّ المرجع بهما إلى ما ذكر لا أنّ ذلك على سبيل الماهيّة فإنهم عند التحديد لهما لم يُخْلُوهُما من معنى الإدراك، ولهذا قال في الخلاصة: (حقيقة السميع البصير: هو المختص بصفة لكونه عليها يصحّ أن يُدرك المسموعَ والمُبصرَ إذا وُجِدَا). وقوله إذا وُجِدَا يحترزُ من لزوم أحدِ محذورينِ: إمَّا القولُ بأنه غيرُ سميعٍ بصيرٍ فيما لم يزل وهو خلاف ما عليه المسلمون، أو القول بأنّ معنى سميع بصير: يصح أن يَسْمَعَ ويُبْصِرَ في الأزل وهذه الصفة واجبةٌ له تعالى، والصّفةُ الواجبةُ متى صحّت وجبت، فيجب أن يَسْمَعَ ويُبْصِرَ في الأزل، وأن يكون هناك مَسْمُوعٌ ومُبْصَرٌ وفي ذلك قِدَمُ الْعَالَمِ وهو غيرُ صحيحٍ كما تقدمّ، هذا ما قيل في توجيه كلامه. إذا عرفت ذلك، فاعلم أنه ينبغي الاشتغال بكلام الكتاب أوَّلاً ثم نذكر النزاع في صفة الإدراك، وبيان المختار من الأقوال، وإقامة البرهان عليه، فنقول: القولُ بأنّ الله سميعٌ بصيرٌ هو مذهب جميع المقرّين بالصّانع المختار إلّا أنه يلزم المطرفيّة ألَّا يصفوه بذلك، والخلاف في ذلك مع الباطنية كما مرّ (وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ) المذهب الصحيح (أَنَّهُ تَعَالَى حَيٌّ لَا آفَةَ بِهِ) هذه المقدمة الأُولى، وقد يُنازع بأنّ مصنّف الكتاب ممّن يقول المرجع بسميع بصير إلى كونه حيّاً لا آفة به فيكون ذلك