كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الخامسة أن الله سميع بصير

صفحة 100 - الجزء 1

  إستدلالاً بالشيء على نفسه. وقد يُجاب بأنه لم يذكر ذلك على سبيل الاستدلال على معنى السميع البصير، وإنّما أورده استدلالاً على الوصف له تعالى بكونه سميعاً بصيراً (وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً لَا آفَةَ بِهِ فَهْوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) فهذانِ أصلانِ لا بُدّ من إقامة البرهان على كُلٍّ منهما (أمّا أنَّهُ تَعَالَى حَيٌّ فَقَدْ تَقَدَّمَ) في مسألة حيٍّ (وَأمّا أنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ فَلأنَّ مَعْنَى الآفَاتِ فَسَادُ الآلَاتِ) وهذا هو المعقول من إطلاق اسم الآفة في الشاهد (وَالآلَاتُ لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى الأجْسَامِ و اللهُ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا عَرَضٍ) وإذا كان تعالى ليس بجسمٍ ولا عرضٍ استحال أن تكون له آلة تتطرّقُ إليها الآفة، وقلنا: إنه ليس بجسم (لِأنَّ الأجْسَامَ مُحْدَثَةٌ) كما مرّ (وَاللهُ تَعَالَى قَدِيمٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى) قال الدواري: الأولى في الإستدلال أن يُقال: إنه تعالى حيٌّ، والآفةُ مستحيلةٌ عليه، فيجب أن يكون سميعاً بصيراً دَلِيلُهُ الشّاهِدُ فإنّ الواحدَ منّا إذا كان حيّاً لا آفة به كان سميعاً بصيراً وإن كانت الآفةُ جائزةً عليه، ففي حق الباري تعالى أوْلَى لأنّ الآفة مستحيلةٌ عليه، واستحالتُها أقوى في زوالها، من عدمها مع جوازها (فَثَبَتَ بِذَلِكَ) الدليلُ القطعيُّ (أنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ويجب على المكلف إعتقاد أنّ الباري كذلك فيما لم يزل، وفيما لا يزال، وأنه لا يجوز خروجُهُ عن هذه الصفة بحالٍ من الأحوال.