كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

تنبيه

صفحة 101 - الجزء 1

«تنبيهٌ»

  كونه تعالى مُدْرِكاً للمُدرَكَاتِ يرجع إلى كونه عالماً بالمعلومات، فهو يُدْرِكُ المدركات

  على حقيقتها بعلمه، أي: ذاته، لأنّ علمَه ذاتُهُ على ما سنقرّرُهُ إن شاء الله تعالى.

  قال في الأساس: ولا فرق بين سميعٍ بصيرٍ وبين سامعٍ مبصرٍ ومدركٍ في الرجوع إلى العلم؛ وبيان ذلك أنّ السميع حقيقة لُغويّة مستعملةٌ لمن يصح أن يُدْرِكَ الْمَسْمُوعَ بمعنىً محلّه الصّماخ، والبصير حقيقة كذلك لمن يصح أن يدرك الْمُبْصَرَ بمعنىً محلّه الحدق، والله تعالى ليس له كذلك، فلم يبق إلّا أنّهما بمعنى: عالمٍ، وقال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}⁣[الزخرف: ٨٠] والسِّرُّ إضمارٌ في القلب غيرُ صوتٍ قال تعالى: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ}⁣[يوسف: ٧٧] وقد عرفت ما حكينا عن جماعة من الْفَرْقِ بين سميع بصير وبين سامعِِ مُبصرٍ، فسميعٌ بصيرٌ بمعنى: حيّ لا آفة به، يُوصف بهما الباري تعالى في الأزل، وسامع مبصر بمعنى: مُدْرِكٍ وهي صفةٌ له، متجدّدة بعد وجود المدركات، زائدة على كونه تعالى عالماً.

  وعلى الجملة: فالخلاف مبنيٌّ على قاعدةٍ وهي: هل الإدراكُ راجعٌ إلى الجملةِ أو إلى الحاسّة في الشاهد، وإلى الذّات المخصوصةِ في الغائب. مذهب مخالفينا الأوّل. ومذهبنا الثاني، دليلنا أنّ الواحد منّا يجد لحاسّةِ السّمع والبصر ما لا يجد للجبهة ولا لسائر الجملة بالضرورة لأنّ كل عاقلٍ متى علم تعلُّق