كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الخامسة أن الله سميع بصير

صفحة 103 - الجزء 1

  السّاهي فإنه قد يدرك كثيراً من المُبْصَراتِ والمسموعات، ولا يعلمُها حتى أنه ربَّما يُنكر إدراكها. وأما أنه قد يعلم مالا يُدرِكُ فذلك ظاهرٌ كَلَوْ شاهد أحدُنا الجبلَ العظيمَ ثم غمض عينيه فإنه حال التّغميض عالمٌ به غيرُ مدْرِكٍ لَهُ، فَتَمَّ قولنا أنّه قد يُدْرِكُ ما لا يعلم ويعلم ما لا يُدرك وبهذا يُعلم التّغايُرُ؟ قلنا: مطلوبُنا - الأهَمُّ الذي نحن مخاطبون به وملزمون بمعرفته - ما كان يتعلق بالباري تعالى من هذه الأوصاف، ونحن وإن سلّمنا ما ذكرتم في الشاهد فلا يثبت ذلك في الغائب الذي هو المراد من العقيدة. وبيان ما قلنا: أنّا لا ننفي إدراكه تعالى للمدركات، لكنه بذاته، وأمّا قياسُكُم ففاسدٌ لأنه ليس لِلَّهِ تعالى من الإحساس ما يُدرِكُ به قرص البراغيث ونحوها إذ هو ليس بجسمٍ [ولا عَرَضٍ] على ما يأتي إن شاء الله تعالى، و ليس بذي عينَيْنِ يفتحهما ثُمّ يغمضهما تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً، فالفرق بينكم وبينه جليٌّ إذ لا يُدركُ بالحواس ولا يُقاس بالناس، ليس كمثله شيءٌ.

  وممّا يشهد بصحة هذه الجملة من أقوال الأئمة: قول أمير المؤمنين # في بعض خطبه: (عَيْنُهُ الْمُشَاهَدَةُ لِخَلْقِهِ، وَمُشَاهَدَتُهُ لِخَلْقِهِ أن لَّا إمْتِنَاعَ مِنْهُ، سَمْعُهُ: الإتْقَانُ لِبَرِيَّتِهِ) وقول علي بن الحسين # في توحيده: (سميعٌ لا بآلة، بصيرٌ لا بأداةٍ). وقول جعفر بن محمد الصادق # في كتاب الأهليلجة: (إنما سُمّيَ تعالى سميعاً بصيراً لأنه لا يخفى عليه شيءٌ). وقول محمد بن القاسم # في كتاب الشرح والتبيين: (إنّما عنى - بقوله تبارك وتعالى: سميعٌ بصير - الدَّلالةَ لخلقه على دركهم وعلمه لأصواتهم التي إنما يعقلون دركها عندهم بالأسماع، وأنه مدرك عالم لجميع أشخاصهم، وهيئآتهم،