كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة السادسة أن الله تعالى قديم

صفحة 105 - الجزء 1

«المسألة السادسة» [أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِيمٌ]

  أنه يجب على المكلّف أن يعلم (أنَّ اللهَ تَعاَلَى قَدِيمٌ) قد اشتملت هذه المسألة على مسألتين: مسألة موجود، ومسألة قديم إذ القِدمُ هو الوجودُ في الأزل ولهذا قال: (وَمَعْنَى الْقَدِيمِ) في إصطلاح المتكلمين (هُوَ الْمَوْجُودُ الَّذِي لا أوَّلَ لِوُجُودِهِ) وكان القياسُ تصدير المسألة، بمسألة موجودٍ، لأنّ الْقِدَمَ: كيفيّة في الوجود؛ والكيفيّة لا تُعرف إلّا بعد معرفة ما هي كيفيةٌ له، إلّا أنه لمّا كان من ضرورة الكلام على مسألة قديمٍ إثباتُ كونه موجوداً - ولهذا قدّم إثباتَ معنى القديم؛ وفيه ذكر الموجود - صدَّر الكلام بالوصف له تعالى بأنه قديم دون الموجود. والموجبُ للعدول تفخيم شأنه تعالى إذ وَصْفُهُ بالقِدَمِ أفخمُ ويدخل تحته الوجود.

  وقد ذكر في الأساس مسألة موجود على جهة الإستقلال، واستدل عليها بأن العدم لا تأثير له ضرورةً. قال بعضهم: إعلم أنّ من لم يجعل الوجود صفةً زائدةً على ذات الموجود لا يحتاج إلى الإستدلال على هذه المسألة بل إذا ثبت أنّ للعالَم صانعاً فهو موجودٌ قطعاً إذ هو ذاتٌ، والذّواتُ كلُّها موجودةٌ، ولهذا من نفى كون الوجود صفة زائدة لا يجعل الذوات ثابتةً في حال العدم كما هو مذهب أبي الحسين، وابن الملاحمي، والرازي، وغيرهم. وقد قرّرنا فيما سلف أنه القول الحقُّ. ومن جعلها صفةً زائدةً جَعَلَ الذَّوات ثابتةً في حال العدم فلا بُدّ من الدليل حينئذٍ على كونه موجوداً. والقول بأنه تعالى موجودٌ هو مذهب من أقرَّ بالصانع المختار إلّا أنه يلزم المطرفيّة عدم وصفه بذلك. والخلاف في ذلك مع الباطنية.

  دليلنا: أنه قد ثبت أنه تعالى قادرٌ عالمٌ والقادرُ العالمُ لا يكونُ إلّا موجوداً