كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة السادسة أن الله تعالى قديم

صفحة 106 - الجزء 1

  لأنّ المعدوم مستحيلٌ أن يكون قادراً على شيءٍ وعالماً به، ألَا ترى أنّ كثيراً من الموجودات كالجمادات والأعراض مستحيل أن تكون قادرةًََ على شيءٍ وعالمةً به مع وجودها، فإذا كان كذلك فالمعدوم أولى أن لّا يكون قادراً على شيءٍ ولا عالماً به، فلو كان صانعُ العالَمِ معدوماََ لم يكن قادراََ ولا عالماََ وقد ثبت أنّ الله تعالى عالمٌ قادرٌ فلا يكون إلّا موجوداً. وحقيقةُ القديم في اللُّغة: ما تقادم وُجُودُهُ، يُقال: بناءٌ قديمٌ ورسمٌ قديمٌ لمتقادم الوجود، وحمل على هذا المعنى قوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}⁣[يس: ٣٩] والعُرجون: هو العذقُ في طرفه شماريخ التمر وهو مقدار الذراع طولاً، فيكون عند الجذّاذِ ممتدّاً ثم إذا يبس وتقادم إحْقَوْقَفَ، وصار كهيئة الهلال، لتقادم وجوده على ما هو قريب العهد بالجذاذ.

  وفي الإصطلاح: ما قاله المصنّفُ. وإن شئتَ قلتَ: هو الموجود الذي لم يسبق وُجُودَهُ عدمٌ، وإن شئت قلتَ: هو الموجود بغير مُوجِدٍ. قال صاحب الخلاصة: ولا يصح أن يُوصف بهذا الوصف على الإطلاق إلّا الباري تعالى، نظراً منه إلى هذه الحقيقة الإصلاحيّة.

  وقال في الأساس: إنّ الوصف بقديم غيرُ مختصٍّ بالباري لثبوت بناءٍ قديمٍ، ورسمٍ قديمٍ بين الأُمَّةِ بلا تناكر، وهذا نظرٌ إلى اللُّغة. والقول بأنّ اللهَ تعالى قديمٌ هو مذهبنا، والخلاف للباطنية لا يأتي هنا، لأنهم يصفون العلّة التي هي الباري عندهم بأنها قديمةٌ، ويأتي خلاف غيرهم.

  (وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى) ما ذهبنا إليه من (أَنَّهُ تَعَالَى قَدِيمٌ أنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَدِيماً) لا أوّلَ لوجوده (لَكَانَ مُحْدَثاً) لعدم الواسطة (وَلَوْ كَانَ مُحْدَثاً لاحْتَاجَ إلَى مُحْدِثٍ أَحْدَثَهُ)