10 - مسألة في الفتنة وجوابها
  اختاروه وأصروا عليه، ولو أنهم آمنوا واتقوا لحكم لهم سبحانه بالطهارة والعدالة كما حكم بمثل ذلك لسائر من آمن به واتقاه، ومثل هذا مما يتعامل به الناس في اللغة أن يقول قائل لبعض الفسقة: إنه طاهر زكي، فيقول قائل آخر: أنت تريد أن تزكي هذا الفاسق وتعدله وتشهد له بالطهارة وهو فاسق دنس، والله لايريد ذلك - فله الحمد - وتفسير «أول» الآية دليل على مافسرناه.
  {يَا أَيُّهَا الرَّسولُ لا يَحزُنكَ الَّذينَ يُسارِعونَ فِي الكُفرِ مِنَ الَّذينَ قالوا آمَنّا بِأَفواهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلوبُهُم} إلى قوله: {يَقولونَ إِن أوتيتُم هذا فَخُذوهُ وَإِن لَم تُؤتَوهُ فَاحذَروا}[المائدة: ٤١] فأعلم جل ذكره أن هذه الأفعال الردية منهم لامنه ولابمشيئته ولارضاه، وأنها كسبهم لابإجبار منه لهم عليها.
  ثم قال سبحانه: {وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتنَتَهُ}[المائدة: ٤١] أي عذابه فلن يمكنك رد عذاب الله عنهم، ثم قال: {أُولئِكَ الَّذينَ لَم يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلوبَهُم}[المائدة: ٤١] أي: لم يرد أن يحكم لهم بالطهارة وهي مصرة على خلافه وخلاف رسوله #.
  ثم ختم ذلك بأن قال: {لَهُم فِي الدُّنيا خِزيٌ وَلَهُم فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظيمٌ}[البقرة: ١١٤] وقد قال جل ذكره في آية أخرى: {فَإِن تَوَلَّوا فَاعلَم أَنَّما يُريدُ اللَّهُ أَن يُصيبَهُم بِبَعضِ ذُنوبِهِم وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ النّاسِ لَفاسِقونَ}[المائدة: ٤٩] فأعلم أنه إنما يريد أن يحكم بالعذاب على أهل الذنوب.
  ثم قال في آية أخرى: {ما يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم وَكانَ اللَّهُ شاكِرًا عَليمًا}[النساء: ١٤٧] وفي هذا غنى وكفاية لمن عقل عن الله، والحمد لله.