[أقسام الإيمان]
  قَبلُ أَو كَسَبَت في إيمانِها خَيرًا قُلِ انتَظِروا إِنّا مُنتَظِرونَ}[الأنعام: ١٥٨] فهذا الإيمان من العبد يكون في حال أياسه من نفسه بظهور آيات الله له فلا ينفعه ولا يضره.
  فأما الإيمان الذي هو الإقرار والتصديق النافع في الدنيا وهو غير نافع في الآخرة فهو إيمان المنافقين والفسقة الظالمين، العصاة لرب العالمين، الذين حقنوا دماءهم في هذه الدنيا، وحملوا دماءهم في هذه على أحكام أهل الإسلام وورثوا به مواريث المسلمين.
  فأما الإيمان الذي هو الإقرار والتصديق بالقلب واللسان، النافع المرضي لله الممدوح: فهو ما دخل في جملة الإيمان الذي ذكرناه أولا، وهو الإيمان الذي ذكره إبراهيم # بقوله: {الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ}[الأنعام: ٨٢] الذي يؤمن به العبد نفسه من سخط الله ووعيده، وذلك أن يقر العبد بالله وبرسوله ÷، وبكل ما جاء به الرسل من عند الله ويطيع الله ورسوله ÷ في كل ما أمرا به، وينتهي ويزدجر عن كل ما نهيا وزجرا عنه، والله مشكور وبما هو أهله مذكور.
  ونزيد على ما وصفناه في الدلالة على الإيمان، فإن الإيمان الذي هو الإقرار والتصديق بالقلب واللسان، إنما ينفع إذا أتى العبد بجميع ما فرض الله عليه معه وازدجر عن جميع مازجره الله عنه، فيكون حينئذ مستوجبا أن يقال: إنه مؤمن حقا لأنه قد يكون قد جاء بما آمن به نفسه من سخط الله وعقابه، قال الله جل ذكره: {وَمِنَ النّاسِ مَن يَقولُ آمَنّا بِاللَّهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ وَما هُم بِمُؤمِنينَ}[البقرة: ٨] ويقول جل ذكره: {وَيَقولونَ آمَنّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسولِ وَأَطَعنا ثُمَّ يَتَوَلّى فَريقٌ مِنهُم مِن بَعدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالمُؤمِنينَ ٤٧ وَإِذا دُعوا إِلَى اللَّهِ وَرَسولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم ...}[النور: ٤٧ - ٤٨] إلى قوله: {وَمَن}