20 - مسألة في الإرادة وجوابها
  كونوا قِرَدَةً خاسِئينَ}[البقرة: ٦٥] فكانوا من ساعتهم كما أراد وقد قال لجميع عباده: {كونوا قَوّامينَ بِالقِسطِ}[النساء: ١٣٥] ارادة بلوى واختبار وأمر لاإرادة اضطرار، فكان منهم المطيع، ومنهم العاصي، ومنهم الداني إلى أمره، ومنهم القاصي، ولو أراد اجبارهم على القيام بالقسط لكانوا من ساعتهم كلهم كذلك، ولو فعل ذلك بهم مااستحقوا منه حمدا ولاثوابا.
  ويدل على ذلك كتاب الله الناطق بالحق الصادق، فإن الله سبحانه أخبر انه أراد بجميع خلقه الخير والصلاح، ولم يرد بهم الكفر والضلال، فقال تعالى: {تُريدونَ عَرَضَ الدُّنيا وَاللَّهُ يُريدُ الآخِرَةَ}[الأنفال: ٦٧] فأعلم أن إرادته غير إرادة عباده.
  وقال: {يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ}[البقرة: ١٨٥] وقال: {يُريدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُم وَيَهدِيَكُم سُنَنَ الَّذينَ مِن قَبلِكُم وَيَتوبَ عَلَيكُم وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ}[النساء: ٢٦] فأخبر أنه يريد بهم الهداية والخير والتبيين لهم، فامتدح بما أراد بهم من اتباعهم طاعاته، ليثيبهم بذلك نعيم جنانه المقيم.
  ولو أراد بهم الضلال والكفر، لم يصف نفسه بأنه أراد بهم الهداية والإيمان.
  ثم قال سبحانه: {وَاللَّهُ يُريدُ أَن يَتوبَ عَلَيكُم وَيُريدُ الَّذينَ يَتَّبِعونَ الشَّهَواتِ أَن تَميلوا مَيلًا عَظيمًا}[النساء: ٢٧] فأوضح سبحانه وبين ارادته من ارادة سواه، وأن ماأراد سواه ليس مما أراده، والحمد لله رب العالمين.