الخلاصة النافعة بالأدلة القاطعة في فوائد التابعة،

أحمد بن الحسن الرصاص (المتوفى: 621 هـ)

المسألة السادسة في الامتحانات

صفحة 144 - الجزء 1

  وأما العوض المستحق على غيره سبحانه، فإنه قد يكون بقدر الألم من غير زيادة ولا نقصان؛ لأنه يجري مجرى أروش الجنايات، وقيم المتلفات، فكما أن ذلك لا يكون إلا بقدر الجنايات كذلك هذا؛ ولأن الواحد منا إذا آلم غيره بمراضاته، كان ذلك كافياً في حسنه من جهة العقل، وإن لم يوصل إليه منفعة، وإذا آلمه بغير رضاه كان ظالماً له.

  واعلم أن المستحق للعوض لا يخلو إما أن يكون مكلفاً أو غير مكلف.

  فإن كان مكلفاً فهو لا يخلوا إما أن يكون عليه مظلمة لغيره أو لا يكون.

  فإن كان عليه مظلمة لغيره، فإن الله تعالى ينتصف لذلك المظلوم، ويوفر عليه من أعواض ذلك الظالم بمقدار ما فوَّت عليه من المنافع، أو أوصل إليه من المضار.

  فإن لم يكن عليه مظلمة، وكان من أهل الجنة، فلابد أن يوفر الله عليه ما يستحقه من الأعواض، مع ما يوصل إليه من الثواب، ويعلمه بذلك، وإن كان من أهل النار خفف الله عنه من العقاب، في كل وقت بما يستحقه من الأعواض، فيكون عوضه عليه موفراً وعقابه دائماً.

  وإن كان المستحق للعوض غير مكلف، فهولا يخلو إما أن يكون من جنس المكلفين، أو من غير جنسهم.

  فإن كان من جنس المكلفين، كالأطفال والمجانين ومن في حكمهم.

  فلابد أن يوفر الله عليهم أعواضهم، مع ما يتفضل به عليهم في الجنة، إن لم يكن عليهم مظالم لغيرهم.

  وإن كان العوض لغير جنس المكلفين كالبهائم، فلابد أن يوصل الله إليها أعواضها حيث شاءت، بعد أن ينتصف لبعضها من بعض.

  وقد قيل: إن الله تعالى يجمعها في ساحة من الجنة، ويوفر عليها ما تستحقه من الأعواض، وكل ذلك جائز؛ لأن في ملك الله ما يتسع لجميع خلقه.

  وقد دل على ثبوت حشرها قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ