المسألة الثالثة: الفساق مخلدون في النار
  وإنما قلنا إنه يصح الاستثناء؛ لأن القائل متى قال من دخل داري أكرمته، فإن هذا اللفظ مستغرق لكل داخل، بدليل أنه كان يصح من المخاطِب بذلك أن يستثني شيئاً من العقلاء، فيقول إلا زيداً أو عمراً.
  ولولا استغراق اللفظ لكل داخل، لما صح الاستثناء، فلأن من حق الاستثناء الحقيقي أن يخرج من الكلام، ما لولاه لوجب دخوله تحته، ألا ترى أن القائل لو قال: عليَّ لفلان عشرةٌ، إلا ديناراً، فإنه لولا استثناؤه لهذا الدينار، لوجب دخول الدينار تحت هذا اللفظ، فثبت الأصل الأول، وهو أن قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ}[الجن: ٢٣] مستغرق لكل عاص.
  ٢ - وأما الأصل الثاني: وهو أن الخلود هو الدوام.
  فالذي يدل عليه: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء: ٣٤] فإن الله تعالى نفى بهذه الآية، أن يكون جعل لأحدٍ من البشر خلوداً في هذه الدنيا، ومعلوم أنه لم ينف بذلك البقاء المنقطع؛ لأن كل واحدٍ منهم قد بقي بقاءً حقيقة قطعاً.، فثبت بذلك أنه إنما نفى الدوام، وصح بذلك معنى الخلود.
  ٣ - وأما الأصل الثالث: وهو أن الفاسق يدخل في ذلك كما يدخل الكافر.
  فالذي يدل على ذلك: أنه لا خلاف بين المسلمين أن الفاسق يسمى عاصياً، كما أن الكافر عاصي، والآية تناولت كل عاص فيدخلان جميعاً في عمومها.
  ٤ - وأما الأصل الرابع: وهو أن اختلاف الوعيد يكشف عن الكذب.
  فالذي يدل على ذلك: أن الوعيد وهو الخبر عن إيصال الضرر إلى الغير على ما تقدم، فإذا لم يقع المخبرَ به، انكشف لنا أن الخبر كان كَذِباً.
  ٥ - وأما الأصل الخامس: وهو أن الكذب قبيح.
  فالذي يدل على ذلك: قد تقدم بيانه.
  ٦ - وأما الأصل السادس: وهو أن الله تعالى لا يفعل القبيح فقد تقدم بيانه.