الخلاصة النافعة بالأدلة القاطعة في فوائد التابعة،

أحمد بن الحسن الرصاص (المتوفى: 621 هـ)

(3) وأما الفصل الثالث: وهو الكلام في شروط الإمام، التي يجب كونه عليها،

صفحة 230 - الجزء 1

فصل في الاجتهاد والتقليد

  فهذه جملة ما يجب على المكلف معرفته من مسائل الاعتقاد، ولا يجوز له الاقتصار على التقليد؛ لأن التقليد في أصول الدين قبيح؛ لأن المكلف لا يأمن خطأ من قلده، والإقدام على ما لا نؤمن كونه خطأ قبيح، كما أنه يقبح من المكلف أن يخبر بخبر لا يأمن كونه كذباً، ولأنه لو جاز التقليد في أصول الدين لم يخل، إما أن يقلد أهل المذاهب كلها، أو يقلد بعضاً منهم دون بعض.

  ولا يجوز أن يقلدهم جميعاً؛ لأنه يؤدي إلى الاعتقادات المتناقضات.

  ولا يجوز أن يقلد بعضاً منهم دون بعض؛ لأنه يكون تمييز البعض منهم دون بعض من غير بصيرة، وذلك لا يجوز، وقد ذم الله تعالى المقلدين وعابهم بالتقليد في كتابه المنزل قال تعالى وهو أصدق القائلين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ الله قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}⁣[البقرة: ١٧٠] وقال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ١٦٦ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ الله أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}⁣[البقرة: ١٦٦ - ١٦٧] وهذا غاية الزجر عن اتباع الرجال من غير بصيرة.

  ويدل على قبح التقليد قول النبي ÷: «من أخذ دينه عن التفكر في آلاء الله، وعن التدبر لكتابه، والتفهم لسنتي، زالت الرواسي ولم يزل، ومن أخذ دينه عن أفواه الرجال، وقلدهم فيه، ذهبت به الرجال من يمين إلى شمال، وكان من دين الله على أعظم زوال». وكفى بذلك زاجراً عن تقليد الرجال، وباعثاً عن النظر والاستدلال، فينبغي للعاقل أن يجتهد في خلاص نفسه من عذاب يوم {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ١١ وصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ١٢ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ ١٣ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ ١٤}⁣[المعارج: ١١ - ١٤].