(6) المسألة السادسة أن الله تعالى قديم
فصل في أن الله تعالى قادر على جميع أجناس المقدورات
  وإذا ثبت أن الله تعالى يستحق هذه الصفات لذاته، فالواجب أن يكون قادراً على جميع أجناس المقدورات، عالماً بجميع أعيان المعلومات، حياً قديماً فيما لم يزل، وفيما لا يزال، ولا يجوز خروجه عن هذه الصفات بحال من الأحوال؛ لأنه لا اختصاص لذاته بجنس من المقدورات، دون جنس، ولا بغير من المعلومات دون غير، فلا تنحصر مقدوراته ولا معلوماته، جنساً، ولا عدداً، وإنما انحصرت مقدورات الواحد منا ومعلوماته، لما كان قادراً بقدرة وعالماً بعلم.
  والمقدورات ثلاثة وعشرون جنساً، وهي: الألوان، والروائح، والطعوم، والحرارة والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، والشهوة، والنفار، والحياة، والقدرة، والفنا، فهذه يقدر الله على أعيانها وأجناسها، ومن كل جنس على ما لا يتناهى لما بينا من أنه تعالى قادر لذاته، فلا اختصاص لذاته بجنس دون جنس.
  وأما العشرة الباقية فهي: الأكوان، والاعتمادات، والتأليفات، والأصوات، والآلام، و الاعتقادات، والإرادات، والكراهات، والظنون، والأفكار، فهذه العشرة الباقية يقدر العباد على أعيانها وأجناسها، لما مكنهم الله تعالى منها، ويقدر الله تعالى على أجناسها، ومن كل جنس على ما لا يتناهى لما بينا من أنه تعالى قادر لذاته، فلا تنحصر مقدوراته جنساً ولا عدداً، وإنما قلنا أنه تعالى لا يجوز خروجه عن هذه الصفات بحال من الأحوال؛ لأنا بينا أنه يستحقها لذاته، وبينا أن خروج الموصوف عن صفة ذاته لا يجوز، فصح ما ذهبنا إليه في هذا الفصل.
  ***