الخلاصة النافعة بالأدلة القاطعة في فوائد التابعة،

أحمد بن الحسن الرصاص (المتوفى: 621 هـ)

(1) المسألة الأولى منها: أنه تعالى لا يشبه شيئا من المحدثات

صفحة 90 - الجزء 1

  (٢) وأما الأصل الثاني: وهو أنه لا يجوز أن يكون محدثاً.

  فالذي يدل على ذلك: هو ما بينا من أنه تعالى قديم، فلا يجوز أن يكون محدثاً لاستحالة أن يكون الشيء الواحد محدثاً قديماً، لما في ذلك من التنافي، ولأنه تعالى لو كان جسماً كما زعموا لما صح منه فعل الأجسام، وإلا كان يصح منا فعلها، فلما علمنا أن فعل الأجسام مستحيل منا، لكوننا أجساماً قادرين بقدره، وثبت أن فعل الأجسام قد صح منه تعالى بطل أن يكون جسماً.

  ب - وأما ما تقوله الكرامية: من أن الله تعالى جسم، وليس بطويل ولا عريض ولا عميق فهذه مناقضة ظاهرة؛ لأن المعقول من إطلاق لفظ الجسم، هو الطويل العريض العميق، بدليل أنه لا يجوز أن يثبت بأحد اللفظين وينفى بالآخر، فلا يجوز أن يقال هذا جسم، وليس بطويل ولا عريض ولا عميق، ولا أن يقال هذا طويل عريض عميق، وليس بجسم، بل يُعد من قال ذلك مناقضاً لكلامه، جارياً مجرى من يقول هذا جسم، وليس بجسم.

  ولأن أهل اللغة يستعملون لفظ الجسم فيما كان طويلاً عريضاً عميقاً فقال قائلهم:

  الفيل أجسم من الإبل، لما اشتركا في الطول والعرض والعمق، وزاد أحدهما على الآخر، وفي ذلك قال الشاعر:

  وأجسم من عاد جسوم رحالهم ... وأكثر إن عُدُّوا عديداً من الترب

  ولأنه تعالى لو جاز أن يُسمى جسماً لا كالأجسام، كما تقوله الكرامية، لجاز أن يُسمى إنساناً لا كالناس.

  فكما أن ذلك لا يجوز إطلاقه لما كان يوهم الخطأ، كذلك لا يجوز النطق بكونه تعالى جسماً؛ لأن ذلك يوهم أن يكون تعالى مُحْدثاً، والله يتعالى عن ذلك، فبطل أن يكون مشبهاً للأجسام.