القسم الثاني مسائل النفي
  · فقال له علي #: كذبت، بل لا تراه في الدنيا ولا في الآخرة، أما سمعت الله تعالى يقول: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام: ١٠٣] إن أهل الجنة ينظرون إلى الله تعالى كما ينظر إليه أهل الدنيا، ينتظرون ما يأتيهم من خيره وإحسانه».
  فتأول # النظر هاهنا بمعنى الانتظار، والنظر الذي بمعنى الانتظار ظاهر في لغة العرب، على ما تقدم في أول هذا الكتاب، ويصح الجمع بين هذين التأويلين المرويين عنه #، فيحمل على أن أهل الجنة ينظرون إلى ما قد حصل لهم من الثواب، وهم مع ذلك ينتظرون ثواباً آخر، فلا يكون بينهما تناف.
  ولا يصح للمخالف أن يحمل الآية على ظاهرها؛ لأن النظر لا يفيد الرؤية، ولهذا يقول القائل: نظرت إلى الهلال فلم أراه، فيكون كلاماً صحيحاً.
  فلو كان النظر يفيد الرؤية؛ لكان الكلام متناقضاً، وإذا لم يكن مفيداً للرؤية، كان ظاهره يفيد تقليب الحدقة السليمة في جهة المرئي طلباً لرؤيته.
  والله سبحانه وتعالى لا يجوز أن يكون في جهة عندنا، ولا عند مخالفينا في هذه المسألة، وهم الأشعرية، فإذا لم يصح التعلق بظاهر هذه الآية، وجب المصير فيها إلى التأويل الذي ذكرناه؛ لأنه موافق لدلالة العقل ومحكم القرآن.
  وكذلك فلا يصح ما يتعلق به المخالف مما يروونه من قول النبي ÷: «سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته» لوجوه:
  ١ - أحدها: أنه مخالف لدلالة العقل ومحكم القرآن، وكل ما خالف هذين الدليلين وجب رده.