(المسألة) الأولى منها: (في بيان) أن الله تعالى عدل حكيم
  دون بعض، والقبائح من جملة المعلومات، فيجب أن يكون عالماً بها على ما هي عليه.
  ٢ - وأما الأصل الثاني: وهو أنه تعالى غني عنها.
  فالذي يدل على ذلك: ما بيّنا من أنه تعالى غني، فلا يجوز عليه الحاجة إلى شيء أصلاً، فيدخل تحت ذلك الحسَنَ والقبيح.
  ٣ - وأما الأصل الثالث: وهو أنه تعالى عالم باستغنائه عنها.
  فالذي يدل عليه: هو ما بينا من أنه تعالى عالم لذاته على ما تقدم، فلابد أن يعلم استغنائه عنها.
  ٤ - وأما الأصل الرابع: وهو أن كل من كان بهذه الأوصاف فإنه لا يختار القبيح.
  فالذي يدل على ذلك: ما نعلمه في الشاهد، من أن الواحد منا إذا كان عالماً بقبح الكذب، (مستغنياً عنه بالصدق)، وقيل له: إن صدقت أعطيناك درهماً، وإن كذبت أعطيناك درهماً، فإنه لا يختار الكذب على الصدق، وإنما لا يختاره لعلمه بقبحه، وغنائه عن فعله، وعلمه باستغنائه عنه، إذ لو زال بعض هذه الأوصاف فلم يكن عالماً بقبح الكذب، بأن يكون زائل العقل، أو لم يكن مستغنياً عنه بالصدق، بأن يزاد له في الآخرة على الكذب زيادة، لاستغنائه عنها، أو لم يكن عالماً بأنه غني، بأن يعتقد أن الدرهم المتعلق بالكذب أَوْفَى من الدرهم المتعلق بالصدق، وإن كان ذلك جهلاً منه، فإنه في جميع هذه الأحوال لا يمتنع أن يختار الكذب على الصدق، فعلمنا أن الواحد منا إنما يمتنع من الكذب لاجتماع هذه الأوصاف، فإذا ثبت ذلك، وقد علمنا أن الله تعالى أعلم العلماء بقبح القبائح، وأغنى الأغنياء عن فعلها، وأعلمهم باستغنائه عنها، فهو أَوْلَى بأن لا يختار فعل شيء منها.