[أدب الحوار]
[أدب الحوار]
  وبعد: فلا بد لمن أنصف خصما في منازعته له ومجادلته، من ذكر ما يرى الخصم أن له فيه حجة من مذهبه ومقالته، فإذا ذكر ذلك كله، بان ما فيه عليه وله، فكان ذلك لباطله أقطع، وفي الجواب له أبلغ وأجمع.
  والنصارى فهم خصماؤنا في الله، فلا بد من تبيين ما افتروا فيه على الله، وهم ممن قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ}[الشورى: ١٦]. ومن الذين قال فيهم: {هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}[الحج: ١٦]. فهم في ذلك كغيرهم من كفرة الأمم.
  فليفهم من قرأ كتابنا هذا ما نصف فيه من قولهم كله فسنصفه، بما يعلمه علماء كل فرقة منهم إن شاء الله ويعرفه، وسنستقصي لهم في كله ما استقصوا لأنفسهم من المقال، ثم نجادلهم فيه على الحق بالتي هي أحسن وأبلغ في الجدال، وندعوهم إلى سبيل ربنا وربهم بالحكمة والبينة، ونعظهم إن شاء الله بالمواعظ البليغة الحسنة، فإن الله سبحانه يقول لرسوله، صلى الله عليه وعلى آله: {ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ١٢٥}[النحل: ١٢٥]، فنستعصم الله في ذلك كله بعصمة الهداة المسترشدين.
[مذاهب النصارى المتفق عليها]
  وهذا كتاب ما حددت النصارى من قولها، قد استقصينا فيه جميع أصولها، فليفهم ذلك إن شاء الله منها، من أراد فهمه من الأمم عنها.
  زعمت النصارى كلها: أن الله سبحانه ثلاثة أشخاص مفترقة، وأن تلك الأشخاص الثلاثة كلها طبيعة واحدة متفقة، وقالوا: تلك الثلاثة في درك يقين النفس،