الرد على النصارى،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[أدب الحوار]

صفحة 404 - الجزء 1

  أب وابن وروح قدس.

  قالوا: فالأب غير مولود، والابن فابن وولد مولود، وروح القدس فلا والد ولا مولود، وكل واحد من الثلاثة بما قلنا فموجود.

  وقالوا: إن هذه الأشخاص الثلاثة لم تزل جميعا معا، لم يسبق بعضها في الوجود بعضا، وإن ما ذكروا من الأب والروح والولد، لم يزالوا كلهم في اللاهوت وملك واحد، ليس بين الثلاثة كلها تفاوت في الإلهية، ولا في قدم ولا قدرة ولا ملك ولا مشيّة، وإن الثلاثة كلها واحد في الطبيعة والذات، وإن هذا الواحد في الطبيعة ثلاثة في الأشخاص المفترقات، وذلك كالشمس، فيما يدرك منها بالحس، التي هي شمس واحدة في كمالها وذاتها، وثلاثة متغايرة في حالها وصفاتها، كل واحد منها غير الآخر في شخصه وصفته، وإن كان هو هو في ذاته وطبيعته.

  فمن ذلك زعموا أن الشمس في عينها كالأب، وضوءها فيها كالابن، وحرّها منها كالروح، ثم هي بعد وإن كانت لها هذه العدة، فشمس لا يشك فيها أحد واحدة، لأن الشمس إن فارقها ضوءها لم تدع شمسا، وكذلك إن فارقها حرّها لم تدع أيضا شمسا، وإنما تسمى شمسا وتدعا، إذا كان هذا كله فيها مجتمعا.

  وكذلك الانسان فإنه وإن كان في الانسانية واحدا، فإنا قد نراه وترونه أشياء كثيرة عددا، منها نفسه وجسده، وحياته ومنطقه، فجسده غير نفسانيته، ومنطقه غير حياته، لأنه ليس يقدر أحد أن يزعم أن الحياة هي المنطق، ولا أنهما جميعا واحد متفق، لأن كثيرا من الأحياء لا يتكلم ولا ينطق.

  قالوا: ولسنا نريد بالمنطق القول الذي يسمع سماعا، ولكنا نريد الفكر الذي جعله الله في الانسان غريزة وطباعا، فطرة خاصة في الانسان، لا في غيره من الحيوان،