[مذاهب النصارى المختلفة]
  كالحيوان الذي جعل من البهائم وغيرها، من نوابت الأرض وشجرها، ولو كانت الحياة هي المنطق، لكان كل حي من الأشياء ينطق، فنطق جميع البهائم، كما ينطق بنو آدم.
  قالوا: فلما لم يكن الأمر كذلك، دل على ما قلنا به من ذلك، فالأب والابن وروح القدس، كان دركهم بعقل أو حس، فقد صاروا في الذات والطبيعة واحدا فردا، وفي الأقانيم التي هي الأشخاص ثلاثة عددا، فالطبيعة تجمعهم وتوحدهم، والأقانيم تفرقهم وتعددهم، فالأب ليس بالابن والابن فليس بالروح، وما قلنا به من هذا فبيّن مشروح، فهم كلهم بالطبيعة والذات واحد، وهم في الأقانيم ثلاثة روح وابن وأب والد، لأن الأب والد غير مولود والابن فمولود غير والد، والروح فثالث موجود، لا والد ولا مولود.
  قالوا: ثم إن هذه الأقانيم الثلاثة لم تزل جميعا معا ثلاثة عددا، لم يسبق في الوجود والأزلية والقدم واحد منها واحدا، أنزل واحد منها وهو الابن إلى الأرض رأفة بالبشر والإنس، عن غير مفارقة منه للأب ولا لروح القدس، إلى مريم العذراء، فاتخذ منها حجابا وسترا، فتجسد منها بجسد كامل في جميع إنسانيته، فتبدّى به وظهر فيه لأعين الناظرين عند معاينته، فأكل كما يأكل الإنسان وشرب، وساح على قدميه ودأب وتعب، وأسلم نفسه رأفة ورحمة بالبشر للصّلب، ولما صار إليه لكرمه وحلمه من الأذى والنصب.
[مذاهب النصارى المختلفة]
  ثم اختلفت النصارى بعد في الابن والولد، وما كان من تجسده بما زعموا من الجسد.