الباب الثالث عشر في ذكر السلف
  ثم قال: يا معشر المجبرة! عدّوا رجالكم ونعد وشمروا للقول ونستعد. فأخذني ماقرب وما بعد، وقلت: أجيبوا ابن الفاعلة! فمن هو ومن سلفه وخلفه حتى يفتخر علينا ويتطاول هذا التطاول؟ فقيل له: ومن سلفكم ومن خلفكم بل السلف لنا والخلف منا! فقال المعتزلي عدّوا ونعد:
  أما سلفنا فأولهم الملائكة الأبرار المقربون، {لا يَعصونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُم}[التحريم: ٦]، {بَل عِبادٌ مُكرَمونَ ٢٦ لا يَسبِقونَهُ بِالقَولِ وَهُم بِأَمرِهِ يَعمَلونَ ٢٧ يَعلَمُ ما بَينَ أَيديهِم وَما خَلفَهُم وَلا يَشفَعونَ إِلّا لِمَنِ ارتَضى وَهُم مِن خَشيَتِهِ مُشفِقونَ ٢٨}[الأنبياء: ٢٦ - ٢٨]. ألا ترى كيف أضافوا الذنب إلى العباد فقالوا: {أَتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}[البقرة: ٣٠]. ثم من بعدهم الأنبياء المرسلون. ألا ترى آدم # كيف أضاف الظلم إلى نفسه فقال: {رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ}[الأعراف: ٢٣]. فقلت: إنما قال رغماً لي حيث قلت: {رَبِّ بِما أَغوَيتَني}[الحجر: ٣٩]. فقال: كذبت يا ملعون! لو كذب لأُنكِرَ عليه كما أُنكِرَ عليك.
  ثم قال: ومن سلفنا يوسف # حيث قال: {مِن بَعدِ أَن نَزَغَ الشَّيطانُ بَيني وَبَينَ إِخوَتي}[يوسف: ١٠٠]. فقلت: على الخبير سقطت! حضرت المجلس الذي حضره يوسف وإخوته وهو يوبخهم وهم يعتذرون