الباب الرابع عشر في المقامات والحكايات
  واللعن؟ أما فيكم ذاب؟ أما فيكم دافع؟ فقام واحد من مجبرة الجن وقال: كذبت يا ابن الفاعلة! أنت وأصحابك من المعتزلة، لا ذنب لواحد من هذه الفئة، أليس خلق الله الأمر في يزيد والبعثة في ابن زياد والحشر في ابن سعد والقتل في شمر والتزيين في الشيطان والذب عنهم في هؤلاء المشايخ؟
  فقال المعتزلي: كذبت أنت على الله والله منه بريء، والذنب لهؤلاء الملاعين لا لرب العالمين! فكان يقول هذا له: كذبت! ويقول هو لهذا: كذبت! فقال المعتزلي: هب أنّا كذبنا، فالكذب على ابن زياد خير من الكذب على رب العباد. فقلت: ما الذي حملك يا معتزلي على ما واجهتني به؟ فقال: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلنا مِنَ البَيِّناتِ وَالهُدى}[البقرة: ١٥٩] الآية، وقوله: {وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَلا تَكتُمونَهُ}[آل عمران: ١٨٧]. وارتفعت الضجة، وأنشأ يقول:
  سيعلمون إذا الميزان بينهم أهم جنوها أم الرحمن جانيها
  وكثر المقال، وأدى ذلك إلى القتال، وتفرقنا ونحن على أسوء حال!
  حكاية - عقد شيخ من مشايخ المجبرة من الجن مجلساً وحضرته، فقرأ قارئ: {وَما يُؤمِنُ أَكثَرُهُم بِاللَّهِ إِلّا وَهُم مُشرِكونَ}[يوسف: ١٠٦] فقال قاص: المعنى بهذه الآية هم المعتزلة، لأنهم آمنوا بالله ثم أشركوا حيث جعلوا للعباد