الباب الرابع عشر في المقامات والحكايات
  حسن وهم يذكرونه بكل قبيح وظلم فينفرون عنه. وارتفعت الضحة وتفرقوا.
  حكاية - وقرأ قارئ: {فَفِرّوا إِلَى اللَّهِ}[الذاريات: ٥٠] فقال معتزلي: على مذهبنا الفرار إليه يجب وعلى مذهب المجبرة الفرار عنه يجب، لأن عندنا كل خير منه وكل شر فهو منه بريء، وعند المجبرة كل شر في العالم فمن جهته فيجب الفرار عنه. فغضبت المجبرة وقالوا: إلى كم هذا الإزراء؟ إما أن تجيبوه وإما أن تخرجوه! فقام المعتزلي: وقال: تعالوا ننتصف! أصف مذهبي ومذهبكم حتى يتبين أينا على الحق. ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وأهل بيته وأصحابه، ثم ذكّرهم نعم الله تعالى على عباده ديناً ودنياً وحثهم على شكره ووعظهم وذكرهم ما مضى من المثلات وما أوعد به وأوعد.
  ثم قال: أيها الناس! إن المجبرة حزب الشيطان وخصماء الرحمن وشهود الزور، وأن العدلية حزب الله وأتباع رسول الله وحفاظ دين الله والذابون عن حرم الله، فإن المجبرة تزعم أن كل فساد في العالم فمن الله وكل شر فمن خلقه وقضائه وإرادته ومشيئته، فالتحرز والفرار منه يجب لأن الشر منه، والعدلية تقول كل خير ورحمة فمنه فيجب الفرار إليه.
  وتفصيل هذه الجملة أنهم قالوا: خلق الكفر في الكافر ثم أمر بقتله، ولو لا خلقه لما كان في العالم كفر، وإذا كان ذلك خلقه فما معنى المحاربة والسلاح؟ أيريد أحد إبطال خلقه أم القتال معه في جعله؟ ثم لم يدع مع هذا أن خلق فيهم الكفر، ثم أمر بسبيهم وقتلهم، ثم أوعدهم عذاب النار